في أعقاب هجومها على القنصلية الإيرانية في دمشق، واغتيالها سبعة مسؤولين إيرانيين بينهم القائد في «قوّة القدس» التابعة لـ«الحرس الثوري الإيراني»، محمد رضا زاهدي، رفعت إسرائيل مستوى التأهب الأمني تحسباً للرد الإيراني المحتمل، خصوصاً بعد تعالي التهديدات من جانب قادة «محور المقاومة» في خطاباتهم استعداداً لـ«يوم القدس»، الذي يصادف اليوم. ووفقاً لما أفادت به وسائل إعلام إسرائيلية، فإن المسؤولين السياسيين في المؤسسة الأمنية رفعوا مستوى التأهب القائم بالفعل، وخصوصاً في سلاح الجو والمنظومات الاعتراضية، وذلك على خلفية «التهديدات الانتقامية في المدى القريب من جانب إيران». وليل الأربعاء - الخميس، أعلن الجيش الإسرائيلي، في بيان، تكثيف تجنيد الاحتياط في منظومة الدفاع الجوي، وإلغاء إجازات الجنود في عدد من الوحدات العسكرية خلال نهاية الأسبوع الحالي. أيضاً، فإن عدداً من السلطات المحلية في منطقة وسط إسرائيل، ومن ضمنها مدينة تل أبيب، درست الإعلان عن فتح الملاجئ، تحسباً لأي طارئ. وأمس، أجرى وزير الحرب الإسرائيلي، يوآف غالانت، تقييماً للوضع المتعدد الجبهات، مع رئيس الأركان هرتسي هليفي، ورئيس «الشاباك» رونين بار، ورئيس «الموساد» ديفيد برنياع، والمدير العام لوزارة الجيش، إيال زمير، بالإضافة إلى مسؤولين أمنيين آخرين. ونقل الصحافي الإسرائيلي، عميت سيجال، عن رئيس وزراء العدو، بنيامين نتنياهو، قوله في مستهل اجتماع المجلس الوزاري السياسي الأمني الذي انعقد في القدس المحتلة: «منذ سنوات، تعمل إيران ضدنا بشكل مباشر ومن خلال أذرعها، وبالتالي فإننا نعمل ضد إيران وأذرعها من خلال الدفاع والهجوم على حد سواء (...) سنعرف كيف ندافع عن أنفسنا وسنتصرف وفق المبدأ البسيط المتمثل في أن من يؤذينا أو يخطط لإيذائنا سنؤذيه».وكانت ذكرت «القناة 12» الإسرائيلية أن حالة التأهب القصوى أتت في أعقاب التهديد الذي أطلقه المرشد الأعلى، علي الخامنئي، ومفاده أن «إسرائيل ستندم»، مشيرة إلى استعداد مختلف المنظومات العسكرية لعمليات إطلاق صواريخ ومُسيّرات نحو أهداف إسرائيلية. وربط موقع «واينت»، بدوره، بين تزامن العشر الأواخر من شهر رمضان و«يوم القدس» الذي يحلّ في آخر جمعة - اليوم -، وبين الرّد الإيراني المتوقّع على الاغتيال، لافتاً إلى أن المؤسسة الأمنية «تتحسب لرد في المدى الزمني المنظور، سواء في إسرائيل أو في الخارج»، مضيفاً أنه فيما تتركز الأنظار على الجبهة الداخلية، أُعلنت حالة استنفار في جميع الممثليات والبعثات الدبلوماسية الإسرائيلية في العالم، حيث لا تريد إسرائيل المخاطرة بـ«الخاصرة الرخوة». ومن جهتها، قالت «يديعوت أحرونوت» إنه تم إخلاء 7 سفارات إسرائيلية خشية ردّ إيراني، من بينها السفارات في البحرين ومصر والأردن والمغرب وتركيا. أما «القناة 14» فقالت، بدورها، إن بين السيناريوات المحتملة «هجوماً إيرانياً على قواعد الجيش الإسرائيلي في إسرائيل بشكل مباشر»، مشيرة إلى أن «هناك تفاهماً بين إسرائيل والأميركيين على أن الولايات المتحدة ستدافع عن إسرائيل إذا لزم الأمر باستخدام أسلحتها الحربية في الشرق الأوسط، وتعترض الهجمات ضدها، وربما تساعد في الهجوم المضاد إذا لزم الأمر». كما أشارت إلى أن الحديث الهاتفي بين الرئيس الأميركي جو بايدن ونتنياهو «تناول هذا الأمر، من بين أمور أخرى».
مناطق وسط وجنوب إسرائيل شهدت تشويشاً في منظومات الملاحة الجوية وتطبيقات تحديد المواقع


وفي الإطار نفسه، قدّر الجنرال في الاحتياط، وقائد فرقة الضفة سابقاً، نوعام تيفون، في مقابلة مع إذاعة «103 أف أم»، ثلاثة سيناريوات للرد الإيراني، مشدّداً على أن «الدرس الذي نتعلّمه من هجوم السابع من أكتوبر، هو الاستعداد بجديّة لكل تهديد». وبحسبه، قد تلجأ إيران، وفقاً للسيناريو الأول، إلى التهديد الباليستي، حيث «علينا الاستعداد لاحتمال إطلاق صواريخ باليستية من جميع المناطق، ومن ضمنها إيران. ولذلك، لدينا منظومة حيتس الاعتراضية»، والسيناريو الثاني، قد يكون عملية برية، و«حتى هنا علينا الاستعداد جدياً»، بحسبه. أما السيناريو الثالث، فهو يخص استعدادات «الموساد»؛ إذ قد تضرب إيران أهدافاً إسرائيلية في الخارج. وفي أثناء حديثه، استبعد أن يتطور الأمر إلى حرب إقليمية، معتبراً أن إيران لا ترغب في مثل هذه الحرب، خصوصاً في ظل الحضور العسكري الأميركي في المنطقة، مذكّراً بأن «الجيش الإسرائيلي يحقق على جبهة الشمال انتصارات تكتيكية، ولكنه يخسر على المستوى الإستراتيجي لأن الشمال مُخلى وحكومتنا لا تعمل، وحتى إنها لم تُقم مديرية لشؤون سكان الشمال».
وخلّفت التصريحات والتحليلات المتقدّمة حالة ذعر وهلع في أوساط المستوطنين، بالإضافة إلى التصريحات التي وردت على لسان «رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية» (أمان)، أهارون حاليفا، والتي قال فيها إنه «ليس من المؤكد أن الأسوأ بات من خلفنا، فنحن أمام أيام معقّدة». ودفعت حالة الهلع، بحسب وسائل الإعلام الإسرائيلية، المستوطنين، إلى التهافت على البنوك والمتاجر ومراكز التسوق لشراء وتخزين المواد الغذائية بكميات كبيرة، وكذلك المولدات الكهربائية. وفي المقابل، حاول الجيش الإسرائيلي بث رسائل طمأنة لهؤلاء، وذلك في مؤتمر صحافي للناطق الرسمي باسمه، دانيال هاغاري، شدّد خلاله على أن «لا تغيير في تعليمات الجبهة الداخلية»، مؤكداً «تعزيز القدرات الدفاعية والطائرات المقاتلة لشن هجمات في حال حدوث مستجدات»، والاستعداد «لكل السيناريوات». وأضاف هاغاري أنه «خلال الحرب تعاملنا مع عدد كبير من تهديدات الصواريخ والمُسيّرات والصواريخ الموجهة وجميعها من إنتاج إيران، تم إطلاقها من عدة جبهات من سوريا ومن العراق ومن لبنان ومن اليمن وأيضاً من غزة». كما نقلت إذاعة الجيش الإسرائيلي عن مصادر في المؤسسة العسكرية قولها إنه «ليست هناك حاجة إلى تخزين المواد الغذائية أو شراء مولدات كهربائية. يجب أن نتجنب رفع مستوى الضغط ونكون متيقظين للحصول على التعليمات المحدثة». وشدّدت المصادر على أن تصريحات حاليفا لم تكن بموجب «تقييم استخباراتي للوضع العسكري»، وإنما في جلسة مغلقة مع موظفيه. وللغاية نفسها، شرعت السلطات المحلية في منطقة تل أبيب في اتخاذ إجراءات من بينها الإعلان عن فتح الملاجئ العامة.
إلى ذلك، أفاد موقع «واينت» بأن مناطق وسط وجنوب إسرائيل شهدت تشويشاً في منظومات الملاحة الجوية وتطبيقات تحديد المواقع. ونُقل عن سكان في منطقة المركز والجنوب أن حساباتهم على تطبيقات تحديد المواقع، بدأت تُظهر أنهم في بيروت وليس في تل أبيب. وطبقاً للموقع، فإن هذا التشويش يأتي في ظل الخشية من رد إيراني، وكجزء من التأهب الأمني واستعداد الجيش الإسرائيلي للتعامل مع ردّ بإطلاق صواريخ أو طائرات من دون طيار أو صواريخ موجهة، علماً أنه منذ بداية الحرب تشهد منطقة الشمال تشويشاً مثل هذا، فيما سجّلت منطقة جنوب إسرائيل وخصوصاً إيلات حالات شبيهة مطلع الأسبوع. وفي هذا السياق، أوصى الجيش الإسرائيلي بتحميل تطبيق الجبهة الداخلية حتى يتمكن الإسرائيليون من تلقي إنذارات.
ووفقاً للتقارير الإسرائيلية، فإن الجيش هو من ينفذ تلك العمليات، بعدما أعلن، منذ تشرين الأول الماضي، أنه «أثناء القتال، يتم تشويش نظام تحديد المواقع (GPS) بشكل استباقي لتلبية الاحتياجات التشغيلية المختلفة لحماية أمن سكان إسرائيل». وبحسب ما قاله الرئيس السابق لـ«منظومة السايبر الوطنية»، يغال أونا، فإن التشويش يُعدّ «أداة فعالة لإرباك أي صواريخ أو أسلحة أو مُسيّرات يتم استعمالها عبر نظام تحديد المواقع العالمي».