أنهت إسرائيل حربها على قطاع غزة، أقله في شماله ووسطه، فيما تواصل عمليات قتل المدنيين وحصارهم وتدمير ممتلكاتهم، لمنع عودة الوضع إلى «روتينه»، وأيضاً لخدمة اليوم الذي يلي الحرب، رغم أنه لم يتبلور بعد لديها تصور يمكن العمل عليه وتنفيذه فعلياً. ويأتي ذلك في وقت لا يبدو فيه أن الهدنة المؤقتة التي يجري حولها الأخذ والرد، قد سقطت احتمالات التوصل إليها إلى الآن، وإن كانت المفاوضات حولها محمّلة من الطرفين بشروط وطلبات تتصل بماهية الحرب نفسها، ونتائجها، وترتيبات المرحلة التالية لها سياسياً وأمنياً. وكان الجيش الإسرائيلي قد انتقل، منذ أسابيع، إلى ما سمّاه المرحلة الثالثة من حربه في مدينة غزة وفي خانيونس، إذ يجري اعتماد التوغّلات والإغارات المحدودة، بهدف منع حركة «حماس» والفصائل المقاومة الأخرى من إعادة تنظيم نفسها لشن عمليات وترتيب وضعها الدفاعي. وفي هذا السياق، يندرج ما يقوم به جيش الاحتلال من استهداف ممنهج للدور السكنية التي ما زالت مسكونة بالمدنيين، ضمن هدفين: الأول هو الدفع نحو تهجير من تبقّى من الفلسطينيين في الأماكن التي شهدت قتال المرحلة الثانية من الحرب، شمالاً ووسطاً؛ والثاني منع عودة النازحين إليها، من مخيماتهم المستحدثة في الجنوب. كذلك، تواصل إسرائيل عمليات التدمير في منطقة غرب خانيونس، بهدف الضغط على «حماس» لدفعها إلى تليين موقفها من صفقة تبادل الأسرى، إذ تصبح بلا أثمان متوازنة بين الطرفين. وإن كان التقدير أن تل أبيب تراجعت نسبياً عن شروطها الابتدائية في المفاوضات التي تُدار حالياً بعيداً من الأضواء، إلا أنها تريد لاستمرار قتل المدنيين وتدمير منازلهم، أن يكون ورقة تساعد المفاوض الإسرائيلي على فرض شروطه على «حماس». وكانت قد راهنت إسرائيل كثيراً على إمكانية أن تصل إلى أسراها عبر العملية العسكرية، وتمنّت أن تحقق خطّتها النتائج المرجوّة، ولكنها فشلت إلى الآن في تحقيق هذا الهدف، فضلاً عن هدف إزالة حكم «حماس»، رغم الإبادة الجماعية.
بالنتيجة، يمكن إيراد الآتي:
- مسار التفاوض على هدنة مؤقتة لم ينتهِ، ولكنه صعب بسبب الهوّة الواسعة بين ما تريده إسرائيل، وبين عجز قوتها العسكرية عن بلورة نهاية للحرب وترتيبات لقطاع غزة تتلاءم مع مصالحها الأمنية والسياسية، ربطاً بعجز الحرب نفسها عن تحقيق أهدافها.
- تريد إسرائيل أن تستحصل جراء الهدنة على العدد الأكبر من أسراها، بلا أثمان ترتبط بترتيبات الأمن واليوم الذي يلي الحرب، فيما تريد «حماس» أن تكون الهدنة مقدمة لترتيب ملائم للمصلحة الفلسطينية في غزة، وهذا ما تدور عليه المفاوضات حالياً.
- في التقدير الأكثر رجحاناً، فإن إسرائيل مستعدة لتليين شروطها، وقادرة على التعامل مع مثل هذا التليين إذا جرى العمل على تخفيف حدة الشروط الفلسطينية، إلّا أنّ ما يحول دون مبادرتها إلى ذلك على نحو فعّال، هو اعتقادها بقدرتها على مواصلة الضغط بلا ضغوط متوازنة عليها هي في المقابل، ما يطيل أمد المفاوضات من دون أن ينهيها.