ضمن سياق لا يمكن فصله عمّا بات يثيره تفاقم الوضع الإنساني في قطاع غزة، من تصاعد في حدّة مواقف المنظمات الحقوقية والإنسانية الدولية تجاه إسرائيل، دعت مقرّرة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية، فرانشيسكا ألبانيز، دول العالم إلى فرض عقوبات على إسرائيل، وحظر تصدير السلاح إليها بصورة فورية، ذلك أنها ترتكب الجرائم والانتهاكات المتواصلة منذ عقود بحقّ الفلسطينيين، ومن بينها جريمة «الإبادة الجماعية» و»التطهير العرقي» الجارية حالياً في غزة، وفق المقرّرة.
تقرير ألبانيز: لِفَرض عقوبات فورية على إسرائيل
خلال ندوة في جنيف على هامش أعمال «مجلس حقوق الإنسان»، أوضحت ألبانيز أن «الطبيعة والحجم الساحقَين للهجوم الإسرائيلي على غزة، وظروف الحياة المدمّرة التي تسبّب بها، تكشف عن نيّة لتدمير الفلسطينيين جسدياً بوصفهم مجموعة»، مؤكدة وجود «أسباب منطقية للاعتقاد بأن الحدّ الأدنى الذي يشير إلى ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية ضدّ الفلسطينيين كمجموعة في غزة قد استُوفي». وطالبت ألبانيز، في تقريرها المقدّم الثلاثاء إلى المجلس التابع للأمم المتحدة، باتّخاذ كل الإجراءات اللازمة للدفاع عن حقّ الفلسطينيين في الحياة، ووقف الجرائم المرتكبة بحقّهم، جازمة بوجود الكثير من العناصر المنطقية التي تفيد بارتكاب إسرائيل عدة أعمال إبادة في قطاع غزة، ومن جملتها ما يشير إلى ارتكاب جيش الاحتلال الإسرائيلي 3 أنواع من أصل 5 من الأعمال المنصوص عليها في «اتفاقية منع الإبادة الجماعية»، على غرار ارتكاب جرم «قتل أفراد في المجموعة»، فضلاً عن أفعال جرمية أخرى سواء ما يندرج منها ضمن خانة «إلحاق ضرر خطير بالسلامة الجسدية أو العقلية لأفراد المجموعة»، أو ما يتعلّق بـ»إخضاع المجموعة بشكل متعمّد لظروف معيشية من شأنها أن تؤدي إلى تدمير جسدي كامل أو جزئي».
وعقب صدور التقرير، الذي حمل عنوان «تشريح عملية إبادة»، سارعت البعثة الديبلوماسية الإسرائيلية في جنيف إلى الإعراب عن رفضها لما جاء في خلاصته، متهمةً ألبانيز بالسعي إلى «التوفيق بين حجج ضعيفة وتزييفها الواضح للحقائق، بدلاً من البحث عن الحقيقة»، واضعة التقرير في إطار ما سمّته «حملة تهدف إلى تقويض نظام الدولة اليهودية»، وهو موقف تقاطع جوهرياً مع موقف الولايات المتحدة الذي جاء مشكّكاً في حيادية ألبانيز، فيما أبدت الأطراف الفلسطينية المعنية، ولا سيما حركة «حماس»، ترحيبها بما خلصت إليه المقرّرة الأممية في تقريرها.
«هناك شعور راسخ بانفكاك عرى العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة»


دعوات حظر تصدير الأسلحة إلى إسرائيل تتوسّع
صدر التقرير الأممي، على وقع تصدّعات في الحلف الغربي الداعم لإسرائيل، مع إعلان كندا أخيراً تعليق تصدير الأسلحة إلى الكيان، ووسط مساع يبذلها مشرّعون بريطانيون في الاتجاه ذاته، حيث وقّع نحو 130 منهم، قبل أيام، على رسالة وجّهوها إلى وزير الخارجية، ديفيد كاميرون، كي تحذو حكومته حذو نظيرتها الكندية. وجاء في نص الرسالة، التي وقّع عليها 46 نائباً عن «حزب العمّال» البريطاني، أن «الإبقاء على نهج العمل المعتاد بخصوص صادرات الأسلحة البريطانية إلى إسرائيل، يُعدّ أمراً غير مقبول على الإطلاق». واستند الموقّعون على الرسالة، وفي مقدّمهم الزعيم السابق لـ»حزب العمّال» جيريمي كوربين، والوزير السابق لشؤون الشرق الأوسط عن الحزب نفسه بيتر هاين، إلى جانب زعيم منطقة ويستمنستر عن «الحزب القومي الاسكتلندي» ستفين فلين، ووزراء ومسؤولون سابقون، إلى تقرير أممي أكد وجود دلائل ملموسة ترجّح فرضية استخدام القوات الإسرائيلية أسلحة بريطانية الصنع خلال إحدى الغارات التي قضى فيها عدد من الأطباء البريطانيين.

امتحان العلاقات الأميركية - الإسرائيلية الأخطر
كما أن موعد صدور التقرير يتزامن مع محطّة مفصلية في العلاقات الأميركية - الإسرائيلية، عقب امتناع الولايات المتحدة عن استخدام «الفيتو» ضدّ قرار لوقف إطلاق النار في غزة، واكتفائها بالامتناع عن التصويت، وهو ما أسهم في تعميق الهوة القائمة أصلاً بين الرئيس الأميركي جو بايدن، ورئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، الذي ألغى زيارة مقرّرة لوفد إسرائيلي إلى العاصمة الأميركية، ردّاً على موقف واشنطن خلال جلسة اعتماد قرار مجلس الأمن الدولي 2728، ولا سيما أن القرار المذكور بدأ يطلق شرارة مواقف دولية أكثر تشدّداً ضدّ «الدولة العبرية». ويرى مدير «معهد بروكينغز لسياسة الشرق الأوسط»، ناتان ساكس، أن الإجراءات الأخيرة الصادرة عن الإدارة الأميركية في شأن حرب غزة، جاءت بدافع «استياء الرئيس (بايدن) من رئيس الوزراء الإسرائيلي»، مشدّداً على أن «هناك خلافات عميقة بين بايدن ونتنياهو، وبوادر تغيير واضح في السياسة» المتّبعة داخل واشنطن، مع تأكيده أن تلك «الدوافع الكامنة وراء هذه الخلافات ليست سياسية بحتة».
بدوره، يلفت الديبلوماسي الأميركي السابق، آرون ديفيد ميلر، إلى أن صدام بايدن - نتنياهو «وخلافاً للمشاحنات الأميركية - الإسرائيلية في السابق، يأتي في خضم حرب تدور رحاها على أرض غزة، وسوف تنعكس مآلاتها بصورة جدّية على الأمن الإسرائيلي» مستقبلاً. ويضيف ميلر أن الخطر المحدق ببايدن في هذا الخصوص، يتمثل في أن «صدامه مع نتنياهو قد يزيد من صعوبة الحصول على تعاون إسرائيل في تحقيق الأهداف التي يصبو إليها الرئيس الأميركي، والمتمثّلة في خفض التصعيد (في غزة)، وزيادة تدفق المساعدات الإنسانية بصورة ملحوظة، فضلاً عن تطلّعه إلى عملية إسرائيلية عسكرية تكون أقلّ دموية في رفح، وتصوّراته الخاصة في شأن حكم غزة في فترة ما بعد الحرب». ويشير ميلر إلى أن الخلافات الإسرائيلية - الأميركية الحالية «المتزايدة الحدّة» تعود في جذورها إلى حصيلة ما يقرب من 20 عاماً من التوترات المزمنة حول ملفّ النشاط الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية المحتلة، والمساعي الحثيثة لنتنياهو لتقويض «حل الدولتَين»، مضيفاً أنّ «هناك شعوراً راسخاً بانفكاك عرى العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة». ويتساءل ميلر: «هل يشاركنا الإسرائيليون قيمنا ومصالحنا حقاً، عندما يكون ضم الأراضي (الفلسطينية) هو جوهر سياستهم غير المعلنة، والقائمة بحكم الأمر الواقع، فيما هم لا يلقون آذاناً صاغية لنصائح أحد أكثر الرؤساء تأييداً لإسرائيل في التاريخ؟».
من جهته، يحذّر السفير الأميركي السابق لدى إسرائيل، دانييل كيرتزير، من محاولات نتنياهو تصوير نفسه على أنه الزعيم الإسرائيلي القادر على الوقوف في وجه واشنطن والعالم بأسره تحت مزاعم صون «الأمن الإسرائيلي»، شارحاً أن رئيس الحكومة الإسرائيلية «يهيئ الأرضية (السياسية) لإلقاء اللوم على الولايات المتحدة، والتمهيد لاتهامها بعرقلته عن إتمام مهمّته تجاه حماس، ومنع إسرائيل من تحقيق أهدافها». ويحذّر كيرتزير من أن أيّ «فكاك جدّي في العلاقات الثنائية مع واشنطن من شأنه أن يقوّض أمن إسرائيل وقدرتها العسكرية ومستقبلها بشدّة»، ناصحاً نتنياهو بعدم الذهاب بعيداً في صدامه مع بايدن، ولا سيما أن الأخير يتمتّع بـ»شعبية أكبر بكثير ممّا كان يتمتع به سلفه باراك أوباما في إسرائيل».