على وقْع اتّساع رقعة الاحتجاج الطالبي، المتواصل منذ السابع عشر من نيسان الجاري، وارتفاع سقفه من التنديد بحرب غزة، ودعم الولايات المتحدة لها، إلى المطالبة بقطع كلّ العلاقات الأكاديمية وبرامج التعاون التقني والتمويلي بين الجامعات الأميركية وكيان الاحتلال، والاستعاضة عنها بدعم الحكومة الأقساط الجامعية لأبنائها، تستمرّ معركة «كسر العظم» بين الطلبة وإدارات الجامعات. معركةٌ يبدو أنها بدأت تتّسع لتشمل اعتقال عدد من أعضاء هيئة التدريس، ورؤساء الأقسام في عدد من تلك الكلّيات، ممَّن حضروا للتضامن مع طلابهم ومشاركتهم موقفهم المناهض للحرب، وأبرزهم رئيسة قسم الفلسفة نويل مكافي، وأستاذة الاقتصاد كارولين فوهلين، في جامعة «إيموري»، خلال تظاهرة داخل الحرم الجامعي تخلّلها إطلاق الغاز المُسيّل للدموع والرصاص المطاطي من جانب الشرطة.
بين تليين الموقف في «كولومبيا» و»العصا الغليظة» في «تكساس»
وعلى رغم تكرار مشهد الاعتقالات من جانب الشرطة للعشرات من الطلبة، ومن ضمنهم 33 طالباً جرى اعتقالهم في الساعات الأخيرة في جامعة «إنديانا بلومنغتون» في ولاية إنديانا، بدعوى رفضهم إزالة خيام الاعتصام المنصوبة في باحات الجامعة، لتبلغ حصيلة المعتقلين 500 طالب في سائر جامعات الولايات المتحدة، فقد جاءت ردود الفعل على المقلب الآخر، أي الطلبة، لتعبّر عن مزيد من الإصرار على البقاء في مخيّمات الاعتصامات، بعدما تحوّلت إلى ما هو أشبه بميدان كرّ وفرّ مع الشرطة الأميركية. ويبدو أن فضّ الاعتصامات بالقوّة، لم ينجح طويلاً في قمع الاحتجاجات المؤيّدة للفلسطينيين، حتى في ولاية تكساس التي ذهبت بعيداً في اتباع خيار «العصا الغليطة» ضدّ المتظاهرين. فبحسب قناة «إن بي سي نيوز»، فإن عدداً كبيراً من الطلبة المحتجّين في جامعة «تكساس»، الواقعة في مدينة أوستن، خرجوا مرّة أخرى بعد يوم واحد فقط من اعتقال العشرات من زملائهم، للتظاهر في حرم الجامعة، على رغم تصادمهم مع قوات مكافحة الشغب، واستخدام الأخيرة الهراوات لتفريقهم في بعض الحالات.
وصف دونالد ترامب ما يدور في باحات الجامعات الأميركية بـ«العار على الولايات المتحدة»


إزاء ذلك، بدا وكأن إدارات الجامعات خسرت الجولة الأولى من الصراع، بعد التخفيف من حدّة لهجتها إزاء الطلبة المعتصمين داخل أحرامها تضامناً مع غزة، والانتقادات الواسعة التي تعرّضت لها. ومن الشواهد على التبدّل المشار إليه، أو أقلّه ارتباك الإدارات التي بات بعضها، وفي طليعتها إدارة «كولومبيا»، يواجه شكاوى اتحادية أمام القضاء بتهم انتهاك الحقوق المدنية بخاصة تلك الواردة في «التعديل الدستوري الأول» حول حرية التعبير، نفي إدارة الجامعة المذكورة ما تردّد عن نيّتها استدعاء شرطة نيويورك للمرّة الثانية إلى الحرم الجامعي، بعد نحو أسبوع من اتّخاذها تدبيراً مشابهاً لفضّ اعتصام الطلبة، وتأكيدها في الوقت نفسه إحراز تقدُّم في محادثاتها مع المعتصمين. والموقف هذا، تبنّته إدارات جامعات أخرى كجامعة «جنوب كاليفورنيا»، التي أكّدت أنه سيُسمح للطلبة البقاء في منطقة الاعتصام حتى إشعار آخر مع تراجع التوتّرات هناك، معلنةً اتّخاذ تدابير إضافية بحجّة «تأمين» منطقة تخييم الطلبة المتضامنين مع الفلسطينيين. أما جامعة «إيمرسون»، فقد حاولت إمساك العصا من المنتصف، إذ شدّدت على ما وصفته بـ»حقّ الطلبة في الاحتجاج»، مستدركةً بالقول إن إقامة مخيم في حرم الجامعة هي عمل «غير قانوني». وكذلك الأمر بالنسبة إلى جامعة «جورج واشنطن»، التي اعتبرت رئيستها أن نصب خيام الاعتصام في الموقع الحالي «ينتهك السياسات الجامعية»، معلنةً أنها ستسمح للطلبة بالاحتجاج في مكان مناسب، مستبعدةً في الوقت ذاته استدعاء تدخُّل الشرطة بعد تجاهل المحتجّين طلب الانتقال إلى موقع بديل في الحرم الجامعي. ومع ذلك، أفادت شبكة «إن بي سي» باستمرار الطلبة المحتجّين في اعتصامهم داخل حرم جامعة «جورج واشنطن»، الواقعة في العاصمة الأميركية، على رغم تجاوزهم مهلة حدّدتها إدارة الجامعة لإزالة الخيام.
ولعل العامل الأبرز في «تليين» لهجة إدارات الجامعات، يتّصل بامتداد «الحَراك الطالبي» إلى ما يقرب من 40 جامعة أميركية وكندية، ومن بينها «إيموري» في أتلانتا، و»برينستون» في نيوجيرسي، و»إيمرسون» في بوسطن، وأخيراً جامعة «أوهايو»، التي تُعدّ ثالث أكبر جامعة في البلاد، في موازاة انطلاق اعتصامات مشابهة في جامعات فرنسية، وبريطانية، وإيطالية، وأسترالية، وتركية، إضافةً إلى التسريبات عن رفض إدارة الرئيس، جو بايدن، اللجوء إلى «الحرس الوطني» للتعامل مع الاحتجاجات الطالبية.

ترامب يعلّق
في وقت ندّدت فيه منظمات حقوقية دولية، كمنظمة «هيومن رايتس ووتش»، باعتقال المتظاهرين، ودعت السلطات الأميركية إلى احترام حقوق هؤلاء في حرية التعبير، دان «اتحاد الحريات المدنية» الأميركي أسلوب تعامل الشرطة مع الاحتجاجات الطالبية، بوصفه «حملة قمع غير دستورية»، مذكّراً بأهمية حماية الحقّ في الاحتجاج داخل الجامعات.
والظاهر أيضاً، أن أزمة «الحَراك الطالبي»، أرخت بظلالها على الصراع بين الجمهوريين والديموقراطيين، إذ أبدى عدد من أعضاء الكونغرس «الديموقراطيين» عن ولاية جورجيا، قلقهم البالغ إزاء تقارير عن استخدام الشرطة قوّة مفرطة داخل أحرام الجامعات، معتبرين أن «استخدام الشرطة أساليب مكافحة شغب بالغة الشدة، يُعدّ تصعيداً خطيراً». وبدوره، وصف الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، ما يدور في باحات الجامعات الأميركية، بـ»العار على الولايات المتحدة». وعمد الرئيس الأميركي السابق، عبر حسابه على منصة «تروث سوشال» التي يملكها، إلى تشبيه الاحتجاجات الطالبية الحاصلة بمسيرة شارلوتسفيل الشهيرة في ولاية فرجينيا عام 2017، والتي تسبّبت باندلاع اشتباكات بين مناصري نظرية تفوق العرق الأبيض، ومناهضي العنصرية. وكتب عبر منصّته: «المشكلة هي أن جو بايدن يكره إسرائيل ويكره الشعب اليهودي. والمشكلة أيضاً أنه يكنّ كرهاً أكبر للفلسطينيين».