في 14 آذار (مارس)، نشرت «هيئة الإذاعة البريطانية ــ bbc» نتائج تحقيق طويل ومفصّل أجرته حول اقتحام القوات الإسرائيلية «مجمّع ناصر الطبي» في غزة الشهر الماضي. أشار التقرير إلى أنه نقلاً «عن شهادات قدمها لنا أفراد من الطاقم الطبي للمستشفى، قالوا إنهم تعرّضوا للاحتجاز والضرب والإذلال على يد القوات الإسرائيلية أثناء مداهمتها المجمع الطبي، ما دفع حكومة المملكة المتحدة إلى مطالبة إسرائيل بإجابات». تحقّق فريق عمل bbc من تسجيلات مصوّرة لـ 21 حادثة إطلاق نار داخل المجمع، وتأكّد «من إطلاق نار على ثلاثة أشخاص داخله»، علماً أنّ الفريق تألّف من أليس كادي، وشون سيدون، وماري- جوزيه القزي، وريتشارد إيرفن-براون، بمساعدة معاذ الخطيب، كصحافي مستقل، وسهى إبراهيم من فريق «بي. بي. سي. عربي».على إثر نشر التحقيق، عمدت صحيفة «دايلي ميل» البريطانية في 17 آذار (مارس)، إلى نشر مقال يشهّر بصحافيي الهيئة الذين شاركوا في إعداد التحقيق، مشيرة إلى أنّ «صحافيّي «بي. بي. سي» الذين «يقفون وراء تقارير إذلال المسعفين في أحد مستشفيات غزة، أبدوا إعجابهم بمقاطع فيديو تحتفل بهجمات «حماس» الإرهابية ومنشورات مناهضة لإسرائيل على الإنترنت». وأعربت الصحيفة عن مخاوفها من صحافيّي القسم العربي في «هيئة الإذاعة البريطانية»، ناشرةً صور سهى إبراهيم وماري-جوزيه القزي، بعدما بحثت في صفحتهما على مواقع التواصل الاجتماعي، ومشيرة: «في وقت سابق من هذا الشهر، أبدت السيدة إبراهيم إعجابها بمقطع فيديو لنشطاء X of Philippines Action وهم يقطعون لوحة زيتية لرئيس الوزراء البريطاني السابق آرثر بلفور، الذي ساعد في تمهيد الطريق لإنشاء إسرائيل. وفي يوم هجمات «حماس» في 7 تشرين الأول (أكتوبر)، أعجبت بمقاطع فيديو لأشخاص في لبنان وتونس وهم يهتفون ويرقصون ويلوّحون بالأعلام الفلسطينية في الشارع في احتفال واضح». واستعادت الصحيفة تغريدة لقزي تعود إلى عام 2018، صنّفها «باحثون» بأنها «معادية للسامية»، رغم أن التغريدة محذوفة.
نشرت «دايلي ميل» مقالاً يشهّر بصحافيي الهيئة الذين شاركوا في إعداد التحقيق


وذكرت الصحيفة أن الصحافي المستقل معاذ الخطيب، الذي ساعد في إعداد التقرير، «معاد لليهود» بسبب منشور له على موقع فايسبوك يعود إلى عام 2016. وتناقلت وسائل إعلام أوروبيّة الخبر، ممارسةً ضغوطاً على bbc لطرد الصحافيتين، فيما قال مسؤولون تنفيذيون في الهيئة إنّهم يحققون في ما إذا كانت الصحافيتان قد انتهكتا إرشادات الشبكة الخاصة بوسائل التواصل الاجتماعي، مع إصرار bbc على الوقوف إلى جانب تقارير صحافييها عن الانتهاكات الإسرائيلية. وأوردت الهيئة في بيان لصحيفة «التلغراف» أنّ «أولئك الذين قرؤوا قصتنا، سيعرفون أنّ «بي. بي. سي» كانت شفافة في إخبار الجمهور أين وكيف يتم تأكيد المعلومات وإسنادها، والأماكن التي استحال التدقّق من صحّتها. لقد قدمنا عدداً من الروايات المباشرة، وقمنا بتسمية مصادر مستقلة، وشاركنا الأدلة المرئية وأدرجنا حقوق الرد طوال الوقت، ونعمل وفقاً لأعلى معايير الصحافة». وكانت الضغوط على موظفي الهيئة، قد بدأت مع بداية «طوفان الأقصى»، إذ عمدت bbc في تشرين الأول (أكتوبر)، إلى وقف ستّة صحافيين عن العمل وحقّقت معهم بسبب مواقفهم المناصرة للقضية الفلسطينية (الأخبار 17/1/2023 ـــ 23/10/2023 ـ 1/2/2024)
هذا الحارس «الأخلاقي» الذي تقوم به وسائل الإعلام الغربية، يتناقض مع ما تحاول فعله منذ سنوات عبر ورش عمل وندوات حول حرية الرأي والتعبير، والمهنية والحياد، جميع هذه الشعارات سقطت أمام المجزرة الإسرائيلية. ويذهب أكثر للحديث عن القيود التي تمارس في المؤسسات الغربية الكبيرة على الصحافيين، حيث يمنعون من التعبير عن آرائهم، والمجاهرة بها على قاعدة الحيادية، ليطلب من أبناء الأرض الوقوف في المنطقة الرمادية، ويشاهدون من دون تحيّز وعاطفة وموقف، مَن قتل ذويهم وأبناء جلدهم منذ عام 1948.