يمكن وصف احتفال توزيع جوائز الأوسكار بأنه مقاوم بامتياز، من فوز كيليان مورفي بجائزة أفضل ممثل، وهو أول إيرلندي يحصد هذه الجائزة، إلى المطالبة الفنية بوقف الحرب على قطاع غزة. بين الحضور، ممثلون وكتاب ومخرجون، وضعوا دبوساً أحمر لمجموعة Artists4Ceasefire، رسمت عليه يد وفي منتصفها قلب أسود، وهو يرمز إلى «الدعم الجماعي لوقف فوري ودائم لإطلاق النار، والإفراج عن جميع الرهائن وتوصيل المساعدات الإنسانية العاجلة للمدنيين في غزة» بحسب المجموعة.وضعت الدبوس المخرجة الأميركية آفا دوفيرناي، والممثل مارك روفالو ، الممثل ماهرشالا علي، والممثل ومغني الراب البريطاني ريز أحمد، والمغنية بيلي إيليش وشقيقها فينياس أوكونيل. وشدد رامي يوسف على رسالة الحملة المطالبة بوقف قتل الأطفال، لافتاً إلى أهمية وقف العنف، قائلاً: «نحن نستخدم أصواتنا للتحدث إلى قلوب الناس، نريد أن يتمتع الناس بالسلامة والعدالة». أما المخرج جوناثان غلايزر، فانتقد أعمال العنف في الشرق الأوسط، لدى تسلّمه جائزته عن فيلم The Zone Of Interest الذي تدور أحداثه في معسكر أوشفيتز. ويظهر موقع حملة Artists4Ceasefire رسالة وجهها الفنانون إلى الرئيس الأميركي جو بايدن، جاء فيها: «نطلب منك، كرئيس للولايات المتحدة، أن تدعو أنت والكونغرس إلى وقف فوري للتصعيد ووقف إطلاق النار في غزة وإسرائيل قبل فقدان حياة أخرى. لقد قُتل أكثر من 30.000 شخص خلال الأشهر الخمسة الماضية، وجُرح أكثر من 69.000. أرقام يعرف أي شخص ذي ضمير حي أنها كارثية». وأضاف البيان: «نصف سكان غزة البالغ عددهم مليونا نسمة هم من الأطفال، وأكثر من ثلثيهم من اللاجئين وأحفادهم الذين أجبروا على الفرار من منازلهم. ويجب السماح للمساعدات الإنسانية بالوصول إليهم، وبعيداً من آلامنا وحزننا على جميع الأشخاص هناك وأحبائهم في جميع أنحاء العالم، فإن ما يدفعنا هو إرادة لا تتزعزع في الدفاع عن إنسانيتنا المشتركة. نحن ندافع عن الحرية والعدالة والكرامة والسلام لجميع الناس، ونؤيد رغبة عميقة في وقف المزيد من إراقة الدماء. نرفض أن نروي للأجيال القادمة قصة صمتنا، ووقفنا مكتوفي الأيدي ولم نفعل شيئاً. وكما قال رئيس الإغاثة الطارئة مارتن غريفيث لأخبار الأمم المتحدة، فإن التاريخ يراقب».
وكان احتفال الأوسكار قد تأخر بسبب التظاهرات المطالبة بوقف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة. وحمل المتظاهرون لافتات كُتب عليها «لا جوائز للإبادة الجماعية». وأدى الازدحام إلى تأخير وصول بعض الوافدين، وعند وصول الممثل مارك روفالو إلى السجادة الحمراء، ركض وقال مبتسماً «لقد تأخرنا، أدى الاحتجاج الفلسطيني إلى إغلاق احتفال توزيع جوائز الأوسكار الليلة. الإنسانية تفوز!». في المقابل، خرجت أصوات تعارض ما حدث، منها ما كتبه إيلون ماسك على منصة أكس قائلاً: «الفوز بجائزة الأوسكار الآن يعني أنك فزت في مسابقة WOKE». الفكرة عينها شرحها بإسهاب جوناسون توبين، رئيس تحرير «نقابة الأخبار اليهودية» في مقال له بعنوان «كلحظة يهودية في الأوسكار تظهر كيف تعمل الصحوة المعادية للصهيونية». بدأ مقاله بالتعليق على كلمة غلايزر قائلاً «لقد كان ذلك بمثابة تراجع جديد في انحدار هوليوود إلى المبررات العصرية لكراهية اليهود. أظهر لنا كيف تعمل معاداة السامية الجديدة، وخصوصاً عندما يكون حاملو لوائها هم اليهود الذين ليس لديهم ارتباط بتراثهم. على هذا النحو، كانت هذه هي اللحظة الجوهرية كيهودي حيث يستحضر الأشخاص هويتهم اليهودية للتنديد باليهود الآخرين». وتابع: «لقد صنع غلايزر فيلماً عن إبادة اليهود في أوشفيتز، وفي ليلة الأحد، أُمطر بالثناء وكل الفوائد المالية والمهنية والاجتماعية التي تصاحب ذلك. لكنه لم يكتف بذلك. لقد قرر استحضار اللحظة الأكثر إيلاماً في التاريخ اليهودي لتشويه سمعة إسرائيل واليهود».
المعضلة في موجة الـ WOKE، أو «الصحوة» هي الإلغاء لكل ما لا يتطابق مع الصوابية السياسية، وهي أحد أبرز أسلحة الحرب الثقافية، وتوسم مَن لا يؤيدهم بأنهم نائمون أو مخدوعون. ظهرت فكرة «الصحوة» للمرة الأولى في الولايات المتحدة في الأربعينيات القرن الماضي، وكانت تستخدم لوصف شخص مطلع على قضايا الظلم الاجتماعي، وتحديداً العنصرية. في استخدامها الأصلي، كانت تعني الانتباه إلى التمييز المحدد والأذى المنهجي الذي يعانيه الأميركيون من أصل أفريقي. وفي الآونة الأخيرة، اعتُمدت ككلمة مفتاح لمجموعة واسعة من الحركات الاجتماعية، بما في ذلك قضايا مجتمع الميم، والنسوية، والهجرة، وتغير المناخ، والفئات المهمشة.
ما يعارضه الصهاينة وداعموهم في الغرب، هو بحد ذاته سياسة الصحوة، وبالتالي بات ما قام به الفنانون في الأوسكار، بارتداء دبوس، والتعبير عن رأيهم، «دعوةً لقتل اليهود»، في وقت هم يطالبون بـ «الأمن والسلام للفلسطينيين والإسرائيليين على حدٍ سواء»، لكن في مفهوم الصحوة الإسرائيلية، من يؤمن بحياة الفلسطينيين هو معادٍ للسامية.
إنّ موقف المشاهير من القضايا العامة والحروب، يضعهم في موقع قريب من الناس، عوضاً عن كونهم نجوماً يصعب الوصول إليهم، واهتماماتهم لا تقارب هموم ويوميات جمهورهم، وعليه يصبحون محببين أكثر، وتكبر قاعدتهم الشعبية وقوة تأثيرهم. من يسعى إلى الشهرة بهدف الشهرة فقط، يحصد الأضواء والمال، فيما الناس يتتبعون من يجدون فيه صوتهم وانعكاساً لقضاياهم، وهذا ما يثبت المشاهير في الذاكرة الشعبية، ويخلق ذكرى تبقى برحيل الفرد.
ساوى موقف الفنانين في الأوسكار بين الضحايا، وهو أمر متوقع في الغرب، لكن فكرة الاعتراف بالمجزرة بحق الشعب الفلسطيني في غزة، تعتبر موقفاً شبه بطولي بحد ذاتها، في خضم الضغط والدعاية الإسرائيلية. أن يستغل الفنانون منابرهم وشهرتهم لتوصيل رسائل، وتشكيل قوة ضغط على الحكومات الغربية، له أهميته ورمزيته، فخروج هذه الأصوات خلال احتفال الأوسكار له ثقله على توجهات الرأي العام، وخصوصاً الغربيّ. وكما تلجأ شركات الإعلانات إلى الفنانين والمشاهير للترويج لإنتاجاتها، يُعتبر صوت الفنانين في الأوسكار محركاً أساسياً لموقف جمهورهم، أو جزءاً منه حول الحرب على قطاع غزة. فإن كان لهذا الدبوس الأحمر أهمية، فهي بوجوده في التوقيت والمكان المناسبين، في قلب أضخم احتفال فنّ عالمي وفي عقر دار مموّل وحامي آلة القتل الإسرائيلية.