الصحافيون المتصهينون تحوّلوا إلى بوتينيين أشدّاء يخيفون بالكرملين زملاءهم
ومن جهتها، سلّطت الروائية والكاتبة الروسية، أنستاسيا ميرونوفا، في مقال لها (17 أكتوبر)، الضوء على تغطية الإعلام الروسي الحكومي للعدوان على غزة، قائلةً: «لو أنك شغّلت أيّاً من قنوات "شركة عموم روسيا الحكومية للبث التلفزيوني والإذاعي" (تضمّ قناتي "روسيا 24" و"روسيا 1" وعشرات القنوات الإذاعية والتلفزيونية الأخرى)، فسيتملّكك شعور بأنك تشاهد التلفزيون الإسرائيلي». وأضافت: «يَظهر على شاشة قناة "روسيا 24" شخص اسمه (سيرغي) باشكوف (مدير مكتب الشركة المذكورة في الشرق الأوسط)، الذي ينشر الدعاية الإسرائيلية العسكرية، ولكن بنبرة المذيعين الكوريين الشماليين». أمّا عن سولوفيوف، فكتبت أن «هذا الرجل منكبّ على الدعاية المؤيّدة لإسرائيل في وقت الذروة على القناة الأكثر شعبية (روسيا 1). وهو، لو تدرون، كان سيذهب إلى القتال من أجل إسرائيل، لكنّهم لم يأخذوه». كذلك، تطرّقت ميرونوفا إلى موفد «شركة عموم روسيا الحكومية للبث التلفزيوني والإذاعي»، يفغيني بوددوبني، إلى لبنان لتغطية الأحداث من هناك، فذكرت أنه «في الأيام الأولى، أغرق أيضاً في الحديث عن "الإرهابيين المتوحّشين"، ثم، على ما يبدو، ثاب إلى رشده، وأصبح يتحدّث، على الأقلّ، عن قصف لبنان، ويستضيف خبراء لبنانيين». وتجدر الإشارة إلى أن باشكوف زار منطقة «غلاف غزة» (الذي تعدّه روسيا أرضاً فلسطينية محتلّة) على متن مدرّعة عسكرية إسرائيلية، حيث وجد أنه «بعد مأساة السابع من أكتوبر، والمذبحة التي ارتكبها الإرهابيون في البلدات والمدن المتاخمة لغزة... فإن منطقة المعارك الضارية مقفلة، والدوريات المسلّحة فقط تسير عند الثغرات في جدار الأمن الحدودي»، كما ورد في الريبورتاج الذي أعدّه، واصفاً فيه، كعادته، مقاومي حركة «حماس»، بازدراء، بأنهم «إسلامويون».
وإلى القنوات التلفزيونية الفدرالية، ثمة ثلاث وسائل إعلام «ليبرالية» روسية، دخلت طيّ النسيان بعد وقت قصير من بدء الحرب في أوكرانيا. وأولاها، إذاعة «صدى موسكو»، التي توقّفت عن البثّ بعد أسبوع من بدء العملية العسكرية، وتحوّل صحافيوها إلى موقع «يوتيوب» لبثّ برامجهم، إذ لا يتعدّى عدد مشاهديهم الآن 700 ألف، فيما كانت وكالة أنباء «ريا نوفوستي» قد قدّرت، في الثاني من آذار 2020، عدد مستمعي الإذاعة المحتملين بنحو 46 مليوناً. أيضاً، لاقت المصير نفسه صحيفة «نوفايا غازيتا» الليبرالية المغالية في تطرّفها، والتي أصدرت إحدى محاكم موسكو، في الخامس من أيلول 2022، حكماً بإلغاء رخصة نسختها الورقية، علماً أن هذه الصحيفة اشتهرت بمعارضتها العمياء للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وتغطيتها العدائية للأحداث السياسية الروسية. ولم تكن تغطيتها للشؤون العربية أفضل حالاً؛ ولعلّ رئيس تحريرها، دميتري موراتوف، حاز لهذا السبب، عام 2021، جائزة «نوبل» للسلام، فضلاً عن أنه غربي الهوى ويقف إلى جانب نظام كييف. وإضافة إلى «نوفايا غازيتا»، تبرز قناة «دوجد» التلفزيونية الاستفزازية، التي ظهرت عام 2010، ولكن أوقف بثها في روسيا، في الثالث من آذار 2022، ليُستأنف في الـ18 من تموز 2022، من ريغا، عاصمة لاتفيا، على ساحل بحر البلطيق.
وكان خبراء كثر توقّعوا، بعد بدء العملية العسكرية في أوكرانيا، ضبط الإعلام «الليبرالي» الروسي المنفلت، والذي وصفه المفكر الإسرائيلي - الروسي المناهض للصهيونية، إسرائيل شامير، عام 2015، بـ«الأداة الطيّعة في يد الطابور الخامس، الذي يعمل ضدّ مصالح روسيا الوطنية». لكن هذا لم يحدث؛ إذ إن صحافيي ذلك الإعلام، الأكثر تشدُّداً من بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية نفسها، تحوّلوا إلى بوتينيين أشدّاء يخيفون بالكرملين زملاءهم، ويرفعون ورقة الوطنية الزائفة في وجه أعدائهم. ولذا، ربّما، لا يجرؤ أحد من ذوي الحلّ والربط على رفع البطاقة الحمراء في وجوههم.