صحيح أن الاحتلال، ولا سيما من ضمن خطط بنيامين نتنياهو، يريد إنهاء ملف «الأونروا»، وقالها أكثر من مرة صراحة، باعتبارها تمثّل اللاجئين، وشاهدٌ ملك على حق العودة. لكن المخطط الأشمل والأكبر، هو ألّا تكون الأمم المتحدة عموماً صوتاً يزعج الاحتلال. ومن هنا نفهم لماذا بعد أكثر من ثلاثة أشهر، يكشف الاحتلال أن مقاومين موظفين في الوكالة شاركوا في «طوفان الأقصى»؛ من جانب للتغطية على قرار محكمة العدل الدولية، ومن جانب آخر للضغط على الأمم المتحدة و«الأونروا» من أجل تغيير سلوكهم تجاه الاحتلال وجرائمه. وهو ما يشير إليه المؤرخ الإسرائيلي آفي شلايم الذي يقول: «ليس من قبيل الصدفة أن تكون الهجمات على الأونروا بعد قرارات محكمة العدل الدولية. تحاول إسرائيل تشويه سمعة المحكمة وكذلك تخريب المؤسسة التي تعيل اللاجئين منذ النكبة».
وهنا بدل أن تسأل إدارة «الأونروا» عن مزاعم الاحتلال، وتجري تحقيقات رسمية وتطلب دلائل، تقوم بطرد الموظفين، وترضخ للمموّلين. وهذه الرواية وآلية العمل الدولية المفتقدة للأدلّة، منذ ادعاء الاحتلال أن المقاومين قاموا بقطع رؤوس أطفال، واغتصبوا نساء، وتبنّي الغرب لهذه الادعاءات.
يجب استعادة الوكالة ممّن يرضخون للإملاءات الإسرائيلية والأميركية، أو تكون انتفاضة لاجئين في كل مكان
وإذا سلّمنا جدلاً بأن مقاومين موظفين شاركوا في عملية 7 أكتوبر، ما المشكلة؟ أليس في الأمم المتحدة من خدم في جيش الاحتلال، وأيديهم مبتلّة بدمائنا؟ وأليس القانون الدولي يشرّع العمل المقاوم للاحتلال، بغضّ النظر عن مهنة المقاوم؟ هنا تظهر الإشكالية في سلّم القيم في الأمم المتحدة، ومن ثم كيف تتعاطى معه الدول الغربية. ففي مقابل البيانات والقرارات المندّدة بـ«مشاركة» موظفين في 7 أكتوبر، لم يصدر أيّ شيء عنهم إزاء استشهاد 152 موظفاً في «الأونروا» بغارات واستهدافات الاحتلال في قطاع غزة.
ووسط كل ما يجري بالنسبة إلى الوكالة، يبقى المخطط الأساسي هو ما نشرته صحيفة «تايمز أوف إسرائيل» في 30/12/2023، عن اقتراح وزارة الخارجية في تل أبيب، خطة من 3 مراحل تقود إلى تقويض «وكالة الغوث» بما في ذلك إخراجها من قطاع غزة. المرحلة الأولى تتطلّب تأكيد انتماء موظفين في الوكالة في القطاع إلى حركة «حماس»، المتهمة من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل، والغرب عموماً، بـ«الإرهاب»، وبالتالي تصبح المؤسسة الدولية في موضع الاتهام. أمّا المرحلة الثانية، فهي فرض حصار مالي على الوكالة والتوقف عن تمويلها، ما سيؤدي إلى تعطيل برامجها، وشلّ خدماتها، وعجزها عن تسديد رواتب موظفيها، الأمر الذي سيحدث فوضى في صفوفها، وإغلاقاً لمراكزها، وطرح علامات استفهام حول مصيرها. في المقابل، تأتي المرحلة الثالثة، وهي بعد إخراج الوكالة من قطاع غزة، تكلّف «الإدارة المدنية» المنوي تشكيلها بعد وقف المعارك، لإدارة القطاع، ببناء جهاز إداري «بديل لوكالة الغوث»، تكون مرجعيتها «الإدارة المدنية» في القطاع، وتحت الإشراف الأمني الإسرائيلي.
طبعاً هذه الخطة هي انتقام واضح من أهل غزة ومنهم 66% لاجئون، وستنسحب على الأقاليم الأخرى (الضفة الغربية ولبنان وسوريا والأردن). والسؤال الأهم ها هنا هو: كيف نواجه مخططات الاحتلال، ما دامت مكشوفة للجميع بما فيها إدارة «الأونروا»؟ للأسف، ليس هناك خطة مواجهة أو خطة لعرقلة الخطة الإسرائيلية. لذلك، لا بدّ من امتلاك اللاجئين المبادرة نحو الضغط على الاحتلال أولاً بالطرق المختلفة، ومن ثم الضغط على المموّلين الغرب. ومن الخطأ اللعب على مسألة تعريب «الأونروا» لأن القضية ليست عربية فقط، إنّما دولية، والعالم كله مسؤول عن مأساة اللاجئين الفلسطينيين. ولا بد للاجئين من العودة إلى الجذور، فكما كان معين شبايطة وغيره من المناضلين يفرضون رؤيتهم على الوكالة ومناهجها، يجب استعادة الوكالة ممّن يرضخون للإملاءات الإسرائيلية والأميركية، أو تكون انتفاضة لاجئين في كل مكان.