في الشهر الرابع من العدوان الهمجي على قطاع غزة، تستمرّ آلة الحرب الصهيونية في ارتكاب جرائم حرب على مرأى العالم كله من دون تحقيق أي أهدافٍ عسكرية وفقاً للصحف العبرية. هذا الواقع الفعلي يدفع بالجماهير العربية المؤيدة للقضية الفلسطينية إلى تكرار السؤال الآتي بأكثر من صيغة مختلفة: لماذا لم تتوقف الحرب حتى اليوم؟ لماذا تستمرّ قوات الاحتلال في ارتكاب أفظع المجازر بحق الأطفال والنساء في غزة؟ لماذا يستمر جنود العدو في استهداف الأحياء السكنية والمستشفيات ومدارس الإيواء بالصواريخ السامة المحرّمة دولياً؟ كيف تسمح حكومة الاحتلال وإدارة قوّاته أن ينشر الجنود صوراً وفيديوات من أرض المعركة تفضح الجرائم والانتهاكات التي يرتكبونها؟ لماذا لا تضبط اللغة العنصرية التي تبثها قنوات التلفزة الرسمية المحرّضة على قتل المدنيين وإبادة كل شيء في غزة؟ لا ندّعي هنا الإحاطة بمختلف الأسباب الدافعة إلى استمرار الحرب، ولا تناول المشروع الاقتصادي/ الاستعماري لاحتلال غزة مجدداً بعد 17 عاماً من الانسحاب. تحاول هذه المقالة الإضاءة على علنية القتل والتنكيل والتدمير بشكل استعراضي أمام الجماهير، فتستدعي وصف الفيلسوف الفرنسي ميشال فوكو (1984 -1926) لمشهديات التعذيب في شوارع وساحات أوروبا بين القرنَين السادس عشر والثامن عشر، كما نستحضر مقالة الكاتب الأفرو-أميركي جيمس بالدوين (1987 -1924) «عن أن تكون أبيض... وأكاذيب أخرى» (1984) لتربط بين السلطة والتلذذ في التعذيب وعقدة تفوّق العرق الأبيض.

يعدّ ميشال فوكو أحد أهم فلاسفة القرن العشرين. لم يقتصر تأثيره على العلوم الإنسانية ومجالات البحث العلمي فقط، بل طال أيضاً المجال الثقافي والسياسي وفقاً لثنائية المعرفة والسلطة التي انشغل بتقديمها عبر أبحاثه عن الجسد البشري وكيفية إخضاعه واستثماره. تميّز فوكو بأسلوبه البحثي الأركيولوجي الذي يسعى إلى تحليل الخطاب في مراحل تاريخية حضارية مختلفة تتتبّع ظهوره وضعفه واندثاره. اعتمد فوكو أيضاً على تفكيك أصل المعرفة وتتبع جذورها وتطورها عبر التاريخ. في كتابه الشهير «المراقبة والمعاقبة: ولادة السجن» (1975) يدرس فوكو الآليات الاجتماعية والنظرية لتغيّر أنظمة العقاب في العصر الحديث، محاولاً فهم هذا التبدّل في تكنولوجيا العقاب من مرحلة تعذيب الجسد إلى مرحلة إخضاعه وتطويعه والاستثمار فيه. لفت فوكو إلى أنّ هذا التحوّل العميق قد حدث في أقل من قرنٍ واحد.
في الجزء الأول من الكتاب الذي يحمل عنوان «التعذيب»، افتتح الفيلسوف الفرنسي الفصل الأول «جسد المحكوم عليهم» بوصف دقيقٍ وقاسٍ امتد على بضع صفحات لمشاهد متتابعة من عملية تعذيب «داميانز»؛ ويقصد الفرنسي روبير فرنسوا داميانز الذي حاول اغتيال ملك فرنسا لويس الخامس عشر. استند فوكو إلى صحيفة «غازيت أمستردام» التي ذكرت الخبر «في الثاني من آذار/ مارس 1757، حكم على داميانز بدفع غرامة معنوية هي الإقرار بذنبه علناً أمام باب كنيسة باريس الرئيسي، حيث يجب أن يُسحَب ويقاد في عربة عارياً إلا من قميص يستره... وعند ساحة «غريف» وفوق منصة الإعدام، يجري قرصه بالقارصة في حلمتيه وذراعيه وركبتيه وشحمات فخذيه وتحرق برصاص مذوّب، ثم يقطّع جسده بواسطة أربعة أحصنة».
تراجع القصاص التشهيري تدريجاً في مطلع القرن التاسع عشر حتى اندثر «العقاب الملكي» في دول الغرب، وخصوصاً بعد الثورة الفرنسية والاحتجاجات ضد التعذيب من قبل الفلاسفة والمنظّرين الحقوقيين الذين نادوا بِـ «عقوبات إنسانية». أُلغي عمود التشهير في فرنسا أولاً ثم في إنكلترا، وتم التخلّي عن الأشغال الشاقة التي كانت تطبّقها النمسا وسويسرا وبعض الولايات الأميركية مثل بنسلفانيا في الشوارع العامة. حينذاك كان يُربط المحكوم عليه بقيدٍ حديدي في عنقه والكلل في قدميه ويوضع أمام شتائم ولكمات الجمهور. استبدلت فرنسا السلاسل التي كانت تجرّ المحكومين عبر البلاد كلها بعربات مقفلة مدهونة باللون الأسود. اتجه العقاب مع الوقت ليصبح جزءاً خفياً من العملية الجزائية، فغاب المشهد العلني للتنكيل بالجسد والتلذذ بالألم والموت البطيء، وحلّ مكانه إعدام كلّي مرةً واحدة. تغيّرت أنماط العقاب على الجسد البشري في دول الغرب، وكانت ولادة السجن تعد مرحلة تنويرية في تاريخ الشعوب ومؤشراً حضارياً وإنسانياً خلّص البشرية من مسرحيات التعذيب العلني الجماعي الذي يضمن استمرار سلطة الملكية ويهدف إلى إقصاء المحكوم، وجاء بمرحلة خضوع الجسد للرقابة والضبط والتقويم بهدف الاستثمار فيه وجعله طيّعاً مفيداً.
بالعودة إلى الإبادة الممنهجة التي يتبعها العدو الصهيوني في عدوانه على غزة، تجاوز عدد الشهداء 25 ألفاً وأكثر من سبعة آلاف مفقود منذ السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023 وفقاً لبيان وزارة الصحة في غزة، معظمهم من الأطفال والنساء. وأشار الجهاز المركزي الفلسطيني للإحصاء إلى أنّ هذا العدد المهول من ضحايا الاحتلال الصهيوني هو الأكبر في تاريخ فلسطين الحديث منذ النكبة عام 1948. استطاعت قوّات العدو إبادة هذا الكم من المدنيين باستخدام تكنولوجيا عسكرية متطورة من بينها صواريخ وقنابل مدفعية مزوّدة بالفوسفور الأبيض المحظور دولياً لأنه «يمكن استخدامه كسلاح حارق كما فعلت أميركا في معركة الفلّوجة الثانية في العراق عام 2004». هذا السلاح «قادر على التسبّب في أضرار للمدنيّين جراء الحروق الشديدة التي يُسبّبها وآثاره طويلة الأمد على الناجين. يُعدّ استخدامه في مناطق مكتظة بالسكّان في غزّة انتهاكاً لمتطلّبات القانون الدولي التي تقضي باتخاذ كل أطراف النزاع كلّ الاحتياطات الممكنة لتجنّب إصابة المدنيين ووقوع خسائر في الأرواح. يُسبّب الفوسفور الأبيض حروقاً شديدة، غالباً ما تصل إلى العظام. وحين تتجاوز هذه الحروق نسبة 10% من جسم الإنسان، فغالباً ما تكون قاتلة. وقد تتسبب أيضاً في تلف الجهاز التنفسي وفشل أعضاء الجسم، وغالباً ما تستمرّ معاناة الأشخاص الناجين من الإصابات الأوليّة مدى الحياة» وفقاً لما جاء في موقع «هيومان رايتس واتش». ارتكب الاحتلال ما يقرب من 2000 مجزرة في أقل من أربعة أشهر، من بينها مجازر متعمّدة وموثّقة لاستهداف مستشفيات القطاع، جاء في مطلعها مجزرة «مستشفى المعمداني» في 17 تشرين الأول التي راح ضحيتها 500 شخص. كان استهداف المرضى والطاقم الطبي والأطفال النازحين هناك بنيران صواريخ العدو مشهداً علنياً للتعذيب والحرق تلذّذ فيه العدو بذريعة وجود مقاتلين من «كتائب القسام» هناك. كرّت السبحة مع استهداف مجمّعات طبية ومستوصفات سيق فيها الأطباء إلى الخارج والأسلحة مصوّبة إلى رؤوسهم، مجبرين على ترك المرضى والأطفال الخدّج ليموتوا وحدهم.
انتشرت في أيام الحرب الـ 112 الكثير من المواد المصوّرة الصادرة عن جنود الاحتلال من أرض المعركة، توثّق علناً الضرب والتنكيل والتشهير والانتهاك والاستهداف لأجساد المدنيّين الغزّيين بطريقة استعراضية متعجرفة، لعلّ أبرزها كانت صورة الاعتقالات الجماعية لشبان فلسطينيين سُحبوا من بيوتهم وأمام أعين زوجاتهم وأطفالهم. «يحاصر الجنود مجموعة من المنازل، ويطالبون بأسماء العائلات في المنطقة عبر مكبرات الصوت. يوضع الأطفال جانباً، وفي بعض الأحيان تُفصل النساء عنهم. يُعتقل الرجال، من سن المراهقة إلى الستين من عمرهم، بشكل منهجي ويُجرّدون من ملابسهم». كتبت صحيفة «لوموند» الفرنسية التي نقلت شهادة المحامي والباحث في «المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان» أيمن لباد (31 عاماً)، أنّ «الجنود أمروا سكان حيّه في بيت لاهيا أقصى شمال قطاع غزة بالخروج من منازلهم. وجد أيمن نفسه بملابسه الداخلية بين جيرانه، جميعاً على التوالي، راكعاً على الرصيف». وتفاجأ مدير الأعمال الخيرية في الأونروا هاني المدهون، برؤية شقيقه (13 عاماً) ووالده ( 72 عاماً) من بين صور المعتقلين، وهما لا علاقة لهما بالقتال، عكس ما جاء كذباً على لسان المتحدّث باسم قوّات العدو دانيال هغاري بأنّ الصور تظهر مقاتلي «حماس». لم تكن صورة واحدة التي نشرها العدو، بل صوراً عدّة توثّق هذا الانتهاك لأجساد الفلسطينيين وتجريدهم من ثيابهم وتكبيل أيديهم وراء ظهورهم وتصويرهم شبه عراة يُساقون وسط الشارع معصوبي الأعين وثيابهم متناثرة ومتروكة على الأرض. صور أخرى التقطها الجنود في ملعب رياضي في غزة، وأعاد موقع «الجزيرة» نشرها معلّقاً «صور أظهرت كيف وُجِّهت فوهات الدبابات باتجاه الفلسطينيين، وبينهم أطفال وشيوخ. هذه ليست المرة الأولى التي يقدم فيها الاحتلال الإسرائيلي على انتهاك مماثل. في وقت سابق من كانون الأول (ديسمبر) الحالي، أظهرت مقاطع مصوّرة نشرتها مواقع إسرائيلية وفلسطينية أنّ قوات الاحتلال اعتقلت شباناً نازحين يقيمون في مركز إيواء في غزة، وجرّدتهم من ملابسهم أمام الكاميرات». إضافة إلى ذلك، جاءت فيديوات استفزازية على منصة تيك توك تشجّع الإسرائيليين على المشاركة في الرقص والاستعراض بقطع الماء والطعام والكهرباء عن غزة، ومقاطع أخرى لمجنّدات يكتبن عبارات ساخرة وألفاظ كراهية و«تمنّيات بالموت». كما شارك مستوطنون صهاينة في هذا الفعل من بينهم روتم أشيهون، مذيعة إسرائيلية في قناة «كان» العبرية وقّعت على قذائف جهّزها الجنود لإطلاقها على الأحياء السكنية في غزة وكتبت: «أريد أن أرسل إلى شعب غزة قذائف المدفعية». وكانت هناك مشاهد أخرى أظهرت مشاركة أفراد من جالية يابانية، كانوا في موقع عسكري وكتبوا باللغة اليابانية على الصواريخ.
يقترب عدد القذائف الملقاة على غزة 100 ألف قذيفة، ولا يزال العدو يطلب من أميركا تزويده بعشرات آلاف القذائف أبرزها قذائف متشظية شديدة الانفجار من نوع «إم 107». وجاء عن نائبة المتحدث باسم البنتاغون سابرينا سينغ أن تقديم المساعدة لإسرائيل حالياً يحدث «عبر آليات مختلفة تماماً عن الطريقة التي قدمت بها المساعدة لأوكرانيا، وهناك ضغط من أجل الحصول على سلطة تتجاوز متطلبات إخبار الكونغرس قبل توريد الأسلحة التي تنطبق على كل دولة أخرى تتلقى تمويلاً عسكرياً أجنبياً». هذا الدعم الحربي الأميركي لكيان الاحتلال يحدث في الوقت الذي يظهر فيه منسّق الاتصالات الإستراتيجية في الأمن القومي الأميركي جون كيربي ليقول: «لا نرى أي دليل على أنّ الجيش الإسرائيلي يرتكب جرائم حرب عمداً في غزة» وتتدخّل ألمانيا في محكمة العدل الدولية كطرفٍ ثالث إلى جانب الاحتلال الاستيطاني لحمايته من حكم يثبت إدانته (راجع الأخبار 20/2/2024) وتظهر الإعلامية والسياسية الفرنسية سيلين بينا لتقول: «علينا أن نشرح ذلك على نحو أفضل، لأنه إن لم نفعل، ستصبح مشاعرنا متساوية بين جميع الضحايا، إلّا أن هذا صحيح، موت فلسطيني وموت إسرائيلي يبقى موتاً، لكن طريقة موتهما هي المختلفة، وهي ستشير إلى إنسانيتنا أو عدم إنسانيتنا. علينا ألّا نساوي بين قتل الأطفال الفلسطينيين والإسرائيليين» (15/11/2023).
تستدعي هذه المواقف من «مجتمع البيض» في الدول الغربية استحضار مقالة الكاتب الأفرو-أميركي جيمس بالدوين (1987 -1924) «أن تكون أبيض وأكاذيب أخرى» (1984).
كان بالدوين أحد أهم الكتاب الأميركيين الذين تناولوا قضية مناهضة العنصرية العرقية في أميركا. عاصر نجوم المقاومة في تلك المرحلة من مالكون أكس، ومارتن لوثر كينغ، ومؤسّسي «بلاك بانثر» هيوي نيوتن وبوبي سيل. في عام 1984 أي قبل ثلاث سنوات من رحيله بسبب إصابته بسرطان المعدة، كتب بالدوين مقالة هامة في المجلة الأفرو-أميركية Essence تحمل عنوان «أن تكون أبيض وأكاذيب أخرى» يوضح فيها بلغة مباشرة أنّ لا وجود لمجتمع البيض، بل أن تكون أبيض هو اختيار اتخذه العديد من المهاجرين «غير البيض» إلى أميركا. هؤلاء القادمون من بلدان وثقافات مختلفة، تخلّوا عن تراثهم الفريد من أجل التجانس مع البيض. يتطرق الروائي إلى وضع اللاجئين اليهود في أميركا، قائلاً بأنّه «من المحتمل أن تكون الجالية اليهودية، أو ربما بقاياها بشكل أكثر دقة، هي التي دفعت في أميركا الثمن الأغلى والأكثر استثنائية لتصبح بيضاء. وقد أتى هؤلاء من بلدانٍ لم يكونوا فيها بيضاً. أتوا إلى هنا جزئياً لأنهم لم يكونوا بيضاً. لقد اختار اليهود الأميركيون أن يصبحوا من البيض، وهذه هي الطريقة التي يعملون بها. وكان من المثير للسخرية أن نسمع، على سبيل المثال، رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق مناحيم بيغن يعلن منذ بعض الوقت أنّ «الشعب اليهودي لا ينحني إلا لله» بينما يعلم أنّ دولة «إسرائيل» تدعمها واشنطن. ومن دون مواصلة متابعة الآثار المترتبة على هذا الفعل الإيماني المتبادل، يدرك المرء مع ذلك أن الوجود الأسود هنا لا يمكنه أن يأمل ــ على الأقل حتى الآن ـــ في وقف المذبحة في جنوب أفريقيا». يوضح بالدوين فكرته بأنّ أميركا (بالأحرى الشعوب التي استوطنت أميركا) أصبحت بيضاء بسبب ضرورة إنكار الوجود الأسود، وتبرير استعباد السود.
أميركا تمدّ الاحتلال الاستيطاني بالسلاح، وألمانيا تتدخّل في محكمة العدل لحمايته

لا يمكن لأي مجتمع أن يقوم على هذا المبدأ، «لا يمكن إنشاء أي مجتمع على مثل هذه الأكذوبة والإبادة الجماعية»، مستعرضاً كيف استوطن الأوروبيون أميركا عبر الإبادات التي ارتكبوها بحق السكان الأصليين. أدرك بالدوين أنّ اضطهاد مجموعة واحدة مرتبط باضطهاد الجميع، وأنّ عليه مناصرة قضايا المضطهدين في العالم حتى تستمر قضية السود. في كتابه «لا اسم في الشارع» (1972)، يورد: «يجب أن ندعم الثوار السود في جنوب أفريقيا وأنغولا. يجب أن نكون أقرب إلى كوبا مما نحن عليه من إسبانيا، وسوف ندعم الدول العربية بدلاً من إسرائيل، ولن أشعر أبداً بضرورة اتباع الفرنسيين في جنوب شرق آسيا». وفي عام 1979، كتب في مجلة «ذا نايشن» عن القضية الفلسطينية، وعن مشروع «إسرائيل» الذي يمثل نظاماً استعمارياً: «لم تخلق إسرائيل من أجل تحرّر اليهود، بل أُوجدت من أجل المصالح الغربية. هذا ما أصبح واضحاً. الفلسطينيون يدفعون ثمن السياسة الاستعمارية البريطانية التي تتلخص في مبدأ «فرّق تسد» وكذلك يدفعون ثمن شعور الأوروبيين المسيحيين بتأنيب الضمير».
تكمن أهمية مقالة الكاتب والناشط المدني جيمس بالدوين عن خرافة المجتمع الأبيض، في أنّه عرى حقيقة أن يكون المرء أبيض هو قرار يندمج فيه مع النظام الرأسمالي والاستعماري على حساب أصله وتاريخه. هناك ثمن باهظ يدفعه غير البيض، حتى ينالوا رضى الغرب ويندمجوا في مجتمعاته، ويتماهوا معه إلى أن يتحوّلوا إلى أدوات ونسخٍ عن الأنظمة العنصرية القائمة على تفوّق العرق الأبيض على بقية المواطنين. ويبدو أنّ «اليهود الصهاينة» الذين عانوا من كونهم غير بيض في ألمانيا النازية، وممنوعين من تزوّج أبناء البريطانيين في إنكلترا، قد تعلّموا ذلك جيداً وجاؤوا به إلى فلسطين المحتلة، فاستوطنوا أرضاً ليست ملكهم، طردوا أهلها وقاموا بالتطهير العرقي وارتكبوا المجازر وجرفوا القرى وأقاموا مستوطناتهم ونظام الأبارتهايد ليخترعوا خرافة «المجتمع اليهودي الأوروبي» في الشرق الأوسط. عدوان الاحتلال الإسرائيلي على غزة وارتكابه للمجازر الممنهجة وعجرفته في التشهير بها عبر منصات التواصل الاجتماعي للإيحاء بسلطته وسيطرته العسكرية، ما هي إلا محاولة لأن يصبح نظاماً أبيض.