ستيفن والت هو أحد أبرز الأقطاب الفكريين لـ«المدرسة الواقعية» في السياسة الخارجية الأميركية، التي ألهمت لعقود طويلة صنّاع القرار في واشنطن، سواء أَكانوا ديمقراطيين أم جمهوريين، وانتسب إليها بعض الذين ساهموا في مثل هذه الصناعة، من مثل هنري كيسنجر أو زبغنيو بريجنسكي. لم تمنع المكانة الأكاديمية التي يتمتّع بها والت، ولا صلاته الواسعة مع المسؤولين والسياسيين الأميركيين، بمن فيهم بعض أعضاء الإدارة الحالية، والذين كان جزء منهم بين طلبته خلال دراستهم الجامعية، من معارضة سياسة الانحياز المطلق المعتمدة من قبل الإدارات الأميركية المتعاقبة حيال إسرائيل، خاصة بعد انطلاق ما سُمي بـ«الحرب على الإرهاب» التي تمّ في سياقها غزو العراق عام 2003. وهو خصّص لهذا الموضوع كتاباً هاماً صدر عام 2007، ألّفه مع زميله الذي ينتمي أيضاً إلى «المدرسة الواقعية»، جون ميرشايمر، بعنوان «اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية الأميركية». وأثار الكتاب المذكور جدلاً واسعاً في الولايات المتحدة وفي بقية العالم، ورأى فيه والت أن الهدف الأول للحرب على العراق كان خدمة المصالح الإسرائيلية، قبل أي اعتبار آخر، وأن تداعياتها أضرّت بمصالح الولايات المتحدة الإستراتيجية في الشرق الأوسط. للمُحاوَر عددٌ كبير من المؤلّفات النظرية حول العلاقات الدولية وهو كاتب افتتاحية في دورية «فورين بوليسي».


هل الإدارة الأميركية مستعدّة للانجرار نحو حرب جديدة في الشرق الأوسط؟ وماذا عن الأولويات الإستراتيجية لهذه الإدارة، أي مواجهة الصين وروسيا؟ وهل إذا تورّطت في نزاع الشرق الأوسط، ستستطيع التفرّغ للأولويات المذكورة؟
لا أعتقد ذلك. أظن أن الإدارة تأمل بشدة حصر الحرب في غزة لأنها تعلم أن اتّساعها سيكون كارثة بالنسبة إلى الجميع. يكشف الوضع الراهن مشكلة مزمنة في السياسة الخارجية الأميركية، وهي عدم القدرة على تحديد الأولويات والالتزام بها. الاستمرار في السعي لصياغة الوقائع السياسية المحلية في أماكن متعدّدة من العالم سيقود بالضرورة إلى التورّط في النزاعات المحلية، حتى عندما لا تكون المصالح الأميركية مهدّدة بشكل مباشر، ولا تتوفّر رؤية حول كيفية حلّ هذه النزاعات.

ألّفتم كتاباً معروفاً مع جون ميرشايمر عن اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية الأميركية. الأمور أكثر وضوحاً اليوم ممّا كانت عليه خلال الحرب على العراق، وإذا اندلعت مجابهة، ستكون رسمياً لأجل إسرائيل. هل ستساند النخب الأميركية، وكذلك الرأي العام، مثل هذا الخيار؟
ستكون النخب الأميركية مؤيّدة بقوة لمثل هذا الخيار نتيجة للنفوذ المستمر للّوبي الإسرائيلي. هناك أيضاً النفور القابل للفهم حيال ما فعلته «حماس»، على الرغم من أن الرأي العام سينقلب ضد إسرائيل إذا استمرت في قتل أعداد كبيرة من المدنيين الفلسطينيين. لكنّ السؤال الفعلي هو حول ما سيحدث مع إطالة أمد النزاع في حال تدخّلت الولايات المتحدة فيه؟ فإذا كانت كلفته مرتفعة، وامتدّت زمنياً، من دون مآلات إيجابية، فسيتغير موقف الرأي العام بسرعة.

هل الإدارة الأميركية موحّدة بالنسبة إلى كيفية التعامل مع المعركة الحالية؟ وإذا ما كان هناك جدال في داخلها، ما هي محاوره؟
الرئيس جو بايدن ووزير الخارجية أنتوني بلينكن كانا دوماً من المؤيّدين بقوة لإسرائيل، وأعتقد أن هذا العامل حكم موقفهما مع اندلاع المعركة. تضاف إلى ذلك حساسيتهما المفرطة تجاه الضغوط الداخلية لدعم إسرائيل إلى أقصى درجة. تبدو الإدارة موحّدة ظاهرياً على الرغم من الخلافات الجدية في داخل وزارة الخارجية واعتراضات النواب التقدميين في الكونغرس. أعتقد أن عدداً من مستشاري بايدن باتوا قلقين من أن موقفه من الحرب ينفّر ناخبين عرباً - أميركيين وتقدميين، يحتاج بشكل ماس إلى أصواتهم في الانتخابات القادمة. أنا مقتنع كذلك بأنهم يدركون أن تأييد رد إسرائيل الوحشي يغضب الكثير من الناس عبر العالم، ويوفّر فرصاً لبلدان كروسيا والصين لزيادة نفوذهما على حساب ذلك الأميركي. هم يحاولون الآن الحد من جموح إسرائيل من دون نجاح كبير حتى اللحظة.

النفوذ الأميركي ينحسر في الشرق الأوسط بينما يتزايد ذلك الصيني. ألن تؤدي مفاعيل الحرب إلى تعاظم الانحسار؟
على المدى القصير، ستفضي هذه المفاعيل إلى تقويض النفوذ الأميركي لأن واشنطن ستُعتبر مساندة لمعاملة إسرائيل الوحشية للفلسطينيين. يذكّر هذا الواقع الجميع بأن الولايات المتحدة تعاطت بطريقة سيئة مع المنطقة على مدى 30 عاماً، وهذا يحدّ من الثقة بالكفاءة الأميركية. خلاصة القول هي أن الجولة الأخيرة من القتال ليست خبراً جيداً بالنسبة إلى واشنطن.

* أستاذ العلاقات الدولية في كلية «جون كنيدي للحكم» في جامعة «هارفرد»