في ساعة متأخرة من ليلة 21 من شهر مارس/ آذار الجاري، دهمت قوة أمنية تستقل 20 آلية عسكرية منزل الشيخ حسين الراضي في مدينة الأحساء شرق السعودية، بسبب رفضه في خطبة في مسجده تصنيف حزب الله اللبناني منظمة إرهابية.
موقف الشيخ الراضي من تصنيف حزب الله هو القشة التي قصمت ظهر البعير، فهو كشف قبل أسابيع أنه يتعرض لضغوط، واستدعته الأجهزة الأمنية إلى التحقيق، وطُلب منه عدم انتقاد الأوضاع الداخلية في البلاد مثل إعدام بعض المعارضين السلميين، وإلا فالاعتقال سيكون مصيره.
القمع في السعودية لا يقتصر على تيار واحد، فالسلفي الدكتور محمد الحضيف، وهو يتخذ موقفاً متشدداً من الشيعة، وداعم للحكومة السعودية، رغم أنها قتلت شقيقه عبدالله (أحد من شكلوا لجنة الحقوق الشرعية في 1993 التي كانت تطالب بإصلاحات سياسية وبرلمان منتخب وتقليص سلطة الملك)، اعتقل في 19 من الشهر الجاري، بسبب انتقاده للإمارات بتغريدة عبر موقع «تويتر».
الراضي والحضيف كلاهما «إرهابي» وفقاً لقانون الإرهاب السعودي الذي صدر في 2014، فالأول دعم حزباً خارجياً، والثاني انتقد دولة أجنبية.
لمعرفة حجم القمع الذي تمارسه الحكومة السعودية على شعبها، يمكن العودة إلى مارس 2014، حينها كان عشرات آلاف، إن لم يكن مئات آلاف، يضعون شعار «رابعة» على صورهم في موقع «تويتر»، تعاطفاً مع ضحايا المذبحة التي ارتكبها الجيش المصري بحق مؤيدي الرئيس السابق محمد مرسي في أغسطس/ آب 2013.
وكان كافياً، أن يعلن مصدر أمني في تصريح صحافي أن من يضع شعار «رابعة» يعتبر إرهابياً، وما هي إلا ساعات حتى أزال السعوديون حتى أولئك المشاهير منهم الذين يتابعهم الملايين، الشعار من حساباتهم.
كانت لحظة فارقة، كشفت الرعب الذي زرعته الأجهزة الأمنية في قلوب السعوديين على مدى عقود، خصوصاً جهاز المباحث العامة (السياسية) السيئ السمعة وقوات الطوارئ الخاصة اللذين يختاران دهم بيوت النشطاء السلميين في ساعات متأخرة من الليل بطريقة عنيفة وباستخدام عشرات الآليات العسكرية، بهدف نشر الذعر.
قد تكون السعودية الدولة الوحيدة في العالم التي وضعت قانوناً لممارسة القمع. فوفقاً لقانون الإرهاب، إنّ كل من يدعو إلى التظاهر أو الاعتصام، أو يوقّع على عريضة «تطالب بإصلاحات»، أو ينتقد المسؤولين، أو ينضم إلى أي جماعة أو حزب داخل البلاد أو خارجها، أو حتى يبدي التعاطف معها عبر شبكة الإنترنت، هو إرهابي.
كذلك يعطي القانون وزير الداخلية صلاحيات مطلقة للقمع، فهو لا يحتاج إلى إذن قضائي لاحتجاز أي شخص لأي مدة، أو التحفظ على أمواله، أو مراقبة الاتصالات الهاتفية.
وكانت منظمات حقوقية دولية، منها «هيومن رايتس واتش»، قد انتقدت قانون الإرهاب وعدّته سيفاً مصلَتاً على رقاب المعارضين السلميين، ولاحظت «أنه ينطوي على عيوب جسيمة تشمل أحكاماً غامضة وفضفاضة تسمح للسلطات بتجريم التعبير عن الرأي».
من الواضح أن الحكومة السعودية اختارت وسائل عنيفة، وفي بعض الحالات دموية، لإسكات مواطنيها، فالعقوبة لمن يطالب بإصلاحات سياسية، أو ينتقد حكام البلاد، أو حتى أعضاء هيئة علماء الدين الرسميين، تراوح ما بين السجن 10 سنوات صعوداً حتى قطع الرأس بالسيف.
ويترافق هذا كله، مع تولي ولي العهد ووزير الداخلية محمد بن نايف إدارة الشأن الأمني بنحو مطلق، وهو المعروف على مستوى العالم بدمويته وانتهاكاته المستمرة لحقوق الإنسان، وكان هذا واضحاً من ردّ فعل الإعلام الفرنسي الغاضب على منحه وسام الشرف من قبل الرئيس فرانسوا هولاند مطلع الشهر الجاري، حتى أن شخصاً مقرباً جداً ـ وما زال ـ من أسرة آل سعود مثل رئيس وزراء لبنان سعد الحريري، لم يتورع عن وصف ابن نايف بالسفاح في 2007، كما كشفت وثيقة للسفارة الأميركية في بيروت سرّبها موقع ويكيليكس عام 2011.
الأكيد أن السعودية، مستمرة بالقمع، فهي انتهت العام الماضي من تشييد أربعة سجون سياسية جديدة للمباحث العامة في مناطق مختلفة من البلاد كانت قد أعلنت بدء تنفيذها في 2009، كذلك لا يكاد يمرّ شهر من دون إعلان الأذرع القمعية لوزارة الداخلية مثل جهازي قوات الطوارئ والقوات الخاصة، توافر وظائف عسكرية جديدة، ويأتي هذا رغم استحداث 60 ألف وظيفة عسكرية لـ «الداخلية» مع اندلاع الربيع العربي في مطلع 2011.
(من الاشخاص الذين سحبت جنسيتهم البحرينية بسبب نشاطه الحقوقي)
* المدير التنفيذي لمنظمة «أميركيون من أجل الديمقراطية وحقوق الانسان في البحرين»