الرئيس حسن روحاني ليس محافظاً تماماً كما يرجو الحرس القديم من المحافظين ويتمنون، لكنه ليس إصلاحياً، أيضاً، كما يحلم الإصلاحيون ويترجّون. ينزع إلى تغيير السلوك والأسلوب والأداء كما نزع ناخبوه، ولكنّ نزوعه مشفوع بقيد ولاية الفقيه وتحت عباءة المرشد بلا تلكؤ... و«الكساء».
هو قريب من رفسنجاني بقدر بقاء رفسنجاني مقبولاً عند رفيق دربه تحت نفس الكساء.
متصالح مع خاتمي بقدر ثبات خاتمي على تعهداته وصموده بوجه الخارجين من تحت الكساء.

ميله الاعتدال والوسطية وطموحه الإصلاح والتغيير، ولكن تحت سقف القانون والنظام ولو دار الأمر عنده بين الاستمرارية الضامنة لرئاسته أو تحقيق رغباته وطموحاته مصحوبة باللامعلوم، اختار الولي الفقيه بلا تردد. لا يحب السباحة عكس التيار، لكنه يحب القفز في الهواء الطلق لإظهار قدراته على السباحة في الجو العاصف.
ولأنه يعرف «لعبة» العمل السياسي في بلاده، بل ويتقنها، اختار أن يحسب كلماته بأدق الموازين. فهو لم يقل لا في حملاته الانتخابية ولا في مناظراته إنه ينوي إيجاد أي تغيير نوعي أو حتى كبير في السياسات العامة لبلاده، بل على العكس تماماً كان دائماً يؤكد أنه وحده لا يملك حلّاً سحرياً لأي مشكلة.
حتى المشكلة الاقتصادية، وهي التي شغلت حيّزاً كبيراً، من مناقشات المرشحين والناخبين فإنه كان الوحيد الذي لم يحدد زمناً محدداً لحلها بقدر ما تحدث عن تحوّل يتوق إليه في الإدارة والأداء على عكس المرشحين الآخرين.
ورغم كل ما أدلى به أو قيل عنه في الشأن الإقليمي أو الدولي، إلا أن مؤتمره الصحافي الأول كشف عن حقيقة «محافظته» وتحفظه وتأمله.
فهو طالب المجتمع الدولي باختيار لغة وأداء محترم يليق بتاريخ بلاده وموقعها... وإلّا.
وهو هاجم كل أشكال المضايقات والحصار وتشديد العقوبات، واعتبارها تعدياً على حقوق إيران.
وهو حتى في أكثر الأمور جدلية، أي الملفّين النووي والسوري، كان واضحاً أنه يُعَدّ الحل المنشود للمسألة السورية بعيداً عن أي تدخل خارجي ومن خلال الشعب، الذي وحده يقرّر مصيره ومصير بلاده، ودائماً تحت سقف الرئيس الشرعي للبلاد، أي الرئيس بشار الأسد الذي ينبغي أن ننتظر نهاية ولايته، وما ستفضي إليه صناديق الاقتراع عام
٢٠١٤.
فيما رأى أن الحل الممكن والمتاح للملف النووي فقط، وفقط، من خلال رفع العقوبات غير المبررة وغير القانونية، والإذعان للحوار مع طهران الند للندّ. وأنه إن اختلف مع منافسيه الانتخابيين فإنّه يختلف معهم بالأداء والتفصيلات، وليس في المبائ العامة.
ما تقدم يثبت أنه يدرك تماماً أن قبوله ضمن لعبة تداول السلطة وقبوله الانضمام إلى التدثر بعباءة ولاية الفقيه، التي تظلّل الجميع، ما كان ليتم إلا لأنه إذا ما انتخب من جمهور العامة من الناس فإنه سيكون أهلاً لأن يصبح عضواً من أهل «الكساء».
ومع ذلك فإن نزوع ما يزيد على نصف المقترعين إليه وعزوف النصف الثاني عنه، في ملحمة سياسية لافتة وفي لحظة تاريخية بالغة الحساسية في الحراك السياسي الديموقراطي الإيراني، أبهر العالم الخارجي وفاجأ الكتل الانتخابية لمنافسيه، ما رسم برأي المتابعين للشأن الإيراني صورة متميزة وخاصة لهذا الرئيس المنتخب، شكلاً ومضموناً اتفقوا معه أو اختلفوا، ما سيجعله مختلفاً عن سابقيه.
بناءً عليه، يضيف المتابعون أنّ الرئيس الجديد لن يكون الرئيس الذي يخاف من مفاجآته الولي الفقيه كما كان الحال مع رفسنجاني، ولن يكون الرئيس الذي يخاف من مفاجآت الولي الفقيه كما كان الحال مع خاتمي.
لكنه، أيضاً، ليس الرئيس الذي ينزع إلى لعبة القط والفأر، كما كانت الحال مع الرئيس المنتهية ولايته.
إنه الرئيس المتساكن مع الولي الفقيه كما المتصالح مع جمهور ناخبيه، كما جمهور العازفين عنه والمتساكن، أيضاً، مع سائر دوائر صنع القرار ومؤسسات النظام، وتالياً فهو الرئيس الذي يعرف حدوده مع الجميع بامتياز.
هذا هو الدكتور الشيخ حسن أسد الله فريدون روحاني السمناني المسقط - نسبة إلى مدينة سمنان التي يأتي من ضواحيها - والرفسنجاني النكهة والخاتمي الملمس، لكنه العسكري المنضبط المنفذ لتعليمات القائد العام للقوات المسلحة، آية الله العظمى الإمام الخامنئي، وآخر الداخلين تحت كسائه.
لن يكون في زمانه مسموحاً الإفراط ولا التفريط، تماماً كما لن يكون مسموحاً في زمانه لعبة شد الحبال، لا بمعادلة الكتلة النوعية الإضافية كما كانت حال الرفسنجانية ولا بمعادلة ولاية الفقيه الدستورية المشروطة كما كانت حال الخاتمية، ولا بمعادلة الأبنية مقابل الأبوية كما كانت حالة النجادية.
سيكون «ضابط أركان» رفيع المستوى عالي المقام، مؤتمناً على الدستور مفتوحة له خيارات الإبداع وابتكار الحلول المناسبة لكل قضية، ولكن لا ينام ليلته إلا تحت الكساء.
ستعطى له كل الفرص اللازمة ليكون مفاوضاً نووياً من الدرجة الأولى، ومحاوراً إقليمياً ودولياً بامتياز، وصاحب مبادرات جسورة في إطار ترميم البيت الداخلي وخيارات مفتوحة لإسعاف الاقتصاد الوطني بالنسخة التي يريد، ولكن كل ذلك مصحوب بمحطات استراحة إجبارية تقيه حر الصيف وبرد الشتاء، تحت ظلال نفس الكساء.
* أمين عام منتدى الحوار العربي الإيراني