بالكاد حاز تغطية في الإعلام العربي، ومرّ عابراً في تغطية مشغولة بتحرّكات وأسفار السيّدة كيم كارداشيان. الإعلام العربي - كما يريده أهل النفط والغاز والفوسفات - يهتم بالرياضة والفنّ والبورصة وتسليع المرأة الرخيص والسوقي فقط. لكن هناك ما هو أبعد: إن تجاهل فضيحة التعذيب من قبل وكالة الاستخبارات الأميركيّة كان مقصوداً لأكثر من سبب، يعود بعض منها لتواطؤ العديد من حكومات العرب في فضيحة التعذيب والاضطهاد (الأردن بصورة خاصّة، إذ ان المملكة باتت ليست أكثر من فرع لأجهزة الاستخبارات والأمن الأميركيّة، وتقوم بالنيابة عن الراعي المُستعمر بمهمّات قذرة في أنحاء مختلفة من العالم، ولا تقف عند حدود أفغانستان).
المقالة في «ذي غارديان» تفيد في إعلامنا ان الفضيحة هي عالميّة، إذ ان 54 دولة في العالم «على الأقلّ» كانت ضالعة ومشاركة في نشاطات وكالة الاستخبارات المركزيّة. كم من الدول العربيّة كانت مُشاركة ومتواطئة؟ هذا موضوع لن تفصح عنه أميركا خصوصاً ان التقرير (هو مُلخّص لتقرير أوسع) تعرّض للرقابة الصارمة وتم حذف أسماء أشخاص ودول وذلك من أجل حماية عمل الوكالة ولمصلحة عمل الإمبراطوريّة). لا تحتاج أميركا إلى ثناء بسبب نشر ملخّص تقرير عن التقرير، خصوصاً ان حسابات حزبيّة أثّرت في قرار الإصدار. مقالة «ذي غارديان» تفيد ايضاً في كشف أدوار دول أوروبيّة الشرقيّة. لم تستقل دول حلف «وارسو»: هي غيّرت مُهيمن روسيا بمهيمن أميركا يطلب من الأنظمة المطيعة أكثر مما طلبته موسكو في السابق (رومانيا وبولندا لم تكونا وحيدتين). في المقالة الثانية، يبرز عمل الرفيق غلين غرينولد الاستقصائي والجذري. هو لا يكتفي بتسليط الضوء على مسؤوليّة الحزبين في الفضيحة بل يظهر دور الإعلام في التغطية وفي خدمة الوكالة من خلال تسريبات كانت كاذبة (عن فوائد التعذيب وعن أهميّة نتاجه لحماية الأمن الأميركي). هناك صحافي ليبرالي مثل جوناثان ألتر (وهو ليبرالي) كتب في «نيوزويك» داعياً إلى إعادة النظر في التعذيب، كما ان مذيع «إن. بي. سي» (وهو لبيرالي بالمعيار الأميركي) صاح يوم 11 أيلول أنه علينا إعادة النظر بحريّاتنا. عرفت الحكومة الأميركيّة كيف تستغلّ خوف وذعر الشعب الأميركي. حتى هوليوود خدمت الحكومة الأميركيّة (ونتذكّر ان مستشار بوش كارل روف، طار إلى لوس أنجليس اثر احداث 11 أيلول واجتمع مع مديري شركات الأفلام لتنسيق خدماتهم للحكومة آنذاك، ومن أجل تقديم أفكار للمواجهة). وفيلم «صفر ثلاثون مظلم» قدّم سيناريو عن ان المعلومات التي قادت إلى مخبأ بن لادن جاءت من خلال تعذيب لمعتقل (التقرير دحض تلك الكذبة). مقالة «ذي اندبندنت» تلخّص فظاعة ما تضمّنه التقرير من معلومات. إن التقرير يثبت ان وكالة الاستخبارات كذبت على الشعب الأميركي ليس فقط حول ظروف التعذيب وحول طريقة معاملة المساجين بل أيضاً حول فوائد التعذيب. كما ان التقرير يظهر ان نحو ربع الذين تعرّضوا للتعذيب الوحشي كانوا من الأبرياء الذين لا علاقة لهم البتّة بما تسمّيه أميركا أعمالاً إرهابيّة (واحد منهم قدّمته الحكومة الأردنيّة بعد ان أمعنت فيه تعذيباً معلّقاً بالمقلوب، كما هي عادة المخابرات الأردنيّة). كذلك ان الوكالة عملت بصورة وثيقة مع إعلاميّين من أجل دفن قصص استقصائيّة كان يمكن ان تفضح ما تقول به الوكالة، كما أنها سرّبث وثائق رسميّة كي تدفع بوجهة نظرها وأكاذيبها إلى العلن.