غزة فضحت الجميع وكشفت لكل من له بصر وبصيرة وقائع ما يجري وما يدور، سواء في غزة نفسها أو خارجها أيضاً. ما حدث في غزة، أو ما سجلته يومياتها من صفحات العدوان الوحشي، من جرائم وحشية وفظائع هزت المشاعر ووخزت الضمائر ولطخت الوجوه المنتظرة صرخة استسلام منها، بدماء اطفالها ونسائها وحجر بيوتها ومؤسساتها المركمة على الارض، وتركتهم غير قادرين على مسحها، مهما تكاذبوا وضللوا في وسائل اعلامهم او على السنة من تمكنوا من شرائهم وتكليفهم نيابة عنهم بشتم المقاومة والشهداء والتضحيات ضمناً أو التخادع في الالفاظ علناً ووقاحة، ما حصل يعكس بوضوح من هو مع غزة فعلاً لا قولاً ومن تعاون مع العدو عليها.
غزة خيّبت أمل هؤلاء جميعاً، من كل الأصناف، ومن كل الأجناس، ولا تخدعنكم دموع التماسيح منهم، لقد وضعت غزة وقائعها ورسمت صورتها، رغم كل الدماء والاشلاء والجراح والآلام، فقد صمدت المقاومة وقالت كلمتها بكل وضوح، هذه المرة ولأكثر من شهر كامل متواصل بلياليه ونهاراته، بكل ساعاته ولحظات دورانها، عملياً وفعلياً...
هذه المرة المستمرة والمتواصلة مع سابقاتها ومع استمرار العدوان والحرب باسمها الحقيقي من طبيعة وجود الاحتلال وقيام الكيان/ القاعدة واسمه الفعلي، العنصري الارهابي، بكل المعاني.

لم يعرف النشطاء العرب نجاحاً بمقدار ما حصدوه خلال العدوان الحالي

وقدمت المقاومة برسالتها الممانعة والمواجهة لأكبر آلات العدوان والحرب وأكثرها تطوراً تقنياً، أو عبر رسائل القيادات الميدانية الموجهة بكل الصور والتعبيرات، ومنها رسالة قائد كتائب القسام، القائد الميداني محمد الضيف/ ابو خالد، التي عبّر فيها عن موقف المقاومة بكل فصائلها المقاتلة في غزة، والتي تقوم بالتنسيق والعمل الميداني في مواجهة العدو وكل المتخاذلين والمتعاونين مع العدوان، بشكل مباشر او غير مباشر، بالمال او بالقرار، بالسياسة أو بالصمت، بالتفرج أو بالكلام الفارغ عبر وسائل اعلامهم، التي صرفوا عليها المليارات... انتبه المليارات... من دولارات ميزانيات الشعوب ومستقبلها. هذه المليارات المسروقة من قوت الشعوب المضطهدة والمحكومة من هذه الحكومات بالحديد والنار تصرف بالضد من مصالح هذه الشعوب أيضاً وتساهم في جرائم العدوان والحرب وتشارك في المجازر الدموية والإعلامية والخراب العام المعمم في الوطن العربي وخارجه.
رسائل المقاومة الفلسطينية عبرت عن نفسها من خلال الصمود والمواجهة الواضحة للجميع، المدهشة والمفاجئة لكثيرين من الذين وقفوا ضدها علناً وسراً، بكل اساليبهم الخبيثة، وبكل وسائلهم الدنيئة، وبكل امكاناتهم المخزية، وبكل شراء الذمم والضمائر المنهارة والمستعدة لبيعها في سوق النخاسة العلنية في وسائل الاعلام او في المواقف والمتاجرات الرخيصة، المسجلة الآن والموثقة بلسانهم او بأقلامهم، والتي لا يمكنهم الفرار منها والإفلات منها اليوم ومستقبلا من حكم التاريخ والشعوب والاخلاق والقانون.
تصاعدت رسائل المقاومة وتعددت مصادرها وإعلاناتها رغم كل ما يقف امامها ويعارضها ويتفرغ لها او صُمم ضدها، وجاءت عبر مناسبات مقصودة كيوم القدس العالمي ومعلنة وكبيرة كحجمها ورمزيتها في الفعل والعمل والتوجه والإرادة والإيمان بالنصر، والإخلاص لمبادئها والثبات في مواقفها ومسارها وشعاراتها التي تصدق وقائعها وترسم معالمها وتردع مناكفيها الكبار قبل الصغار. فقد توحدت مفرداتها وأهدافها في النصر للمقاومة والصمود للمقاومين والقوة والتضامن للشعب الذي يقاوم ولن يهزم ولن يسلم سلاحه ويتراجع عن خياراته.
قراءة رسائل المقاومة بتواليها وتوقيتها تعطي امراً ملموساً ومركزاً بأنها تعبير عن مواقف واضحة من تطورات الواقع على الارض، اليوم في قطاع غزة، وغدا في كل فلسطين وفي كل ارض محتلة او محاصرة او موضوعة في خطط الحرب الاستعمارية الامبريالية والغزو والعدوان المكشوف. وتضع ثقتها او تعززها في مصداقيتها العملية وإيمانها بقدرات الشعوب على الانتصار مهما تكالبت عليها وحوش الحروب والعدوان وجرائم ضد الانسانية والإبادة الجماعية والقتل العمد والتدمير والتخريب للعمران والإنسان. كما تبين قدراتها في العمل والتخطيط والتهيؤ والتحضير والاستباق والجهوزية لكل خطط ومشاريع الحروب والعدوان الوحشي. وما جرى ويحصل في غزة مثال واضح وكبير لكل تلك الرسائل المقاومة. وهي من جهة اخرى تفضح اعلام المتخاذلين في غزة وحدها كمثال على تعاونهم مع الحرب والعدوان عليها وعلى الشعب الفلسطيني وقضيته وعلى حركة التحرر الوطني العربية وقواها الوطنية وارتباطهم مع القوى الامبريالية وقاعدتها الاستراتيجية في فلسطين المحتلة.
عرت رسائل المقاومة المتتالية ايضاً، اضافة الى مصادرها أو جهاتها وأصحابها وادوارهم فيها، صمت وتضليل من يدعون كذباً وخداعاً تعاطفهم مع الشعب الفلسطيني أو غزة وحركة حماس اساساً أو بالضد منها ايضاً. فبعد دماء كل الشهداء والجرحى الفلسطينيين، واغلبهم من الاطفال والنساء والمدنيين العزل، واكثرهم من العرب والمسلمين، (المقصود هنا للاشارة الى اهداف المنظمات العربية والاسلامية المتباكية على تسمياتها!) خرجت بعض بيانات كاذبة حتى بعناوينها وألفاظها تدور حول الدماء الزكية التي روت ارض فلسطين، غزة عنواناً، لتقول ما تعنيه طبيعتها ودورها في ما يجري في غزة وفي تخريبها ودمارها. ان هذه الكلمات والبيانات الجوفاء والإعلام الذي تملكه يفضحها اكثر من أي وقت اخر. ويضعها امام حقيقتها وطبيعتها الرجعية المتحالفة مع القوى المعادية لتطلعات الشعوب وسيادتها واستقلالها ومستقبلها، ويحمل شعوبها مسؤولية ايضاً لصمتها عن ادوار حكوماتها وحكامها وما عليهم من وزر ما سكب من دماء في غزة ويحملها مسؤولية تاريخية فيها ولابد من محاكمة التاريخ لها قبل فوات الأوان رغم عدم تقادم مثل هذه الجرائم والارتهانات المعلنة بخطط ومشاريع الحرب والعدوان على الشعوب وتطلعاتها التاريخية. فالصمت لا يجوز في زمن غزة اليوم. ولا يمكن ان يمر ما يجري في غزة من دون محاكمة المجرمين في القتل والعدوان والإرهاب والتدمير. من كل مشارك في الجرائم، من قيادات الدول الامبريالية التي لا تخفي دعمها للعدوان بالقرارات والأموال والمعدات والذخائر المتطورة وحتى بالمجندين وإخراس المراهنين معهم والمرتبطين بهم، واستمرارا إلى كل صامت متفرج او مساهم بشكل او بآخر بالجرائم الدائرة في غزة اليوم وفي كل مكان اخر بعدها او قبلها.
رسائل المقاومين العرب والمسلمين حول صمود غزة وصبرها وتضحياتها ودعم تحررها الوطني وكفاحها الشعبي تقدم شهادة شرف لمرسليها ورموزها وجهودها وتضرب مثلاً ساطعاً لمصداقيتها ومساعيها وقدراتها وعزتها وكرامتها.
* كاتب عراقي