العنف المدرسي: ابحثوا عن الأسباب
أسأل من هالهم تصرف مدير مع تلامذته، من الأهل والمعلمين والمؤسسات الرسمية والخاصة ووزير التربية الياس بو صعب الذي نعلق عليه كبير الآمال، هل هو فعلاً الحدث الوحيد الذي أثار اهتمامكم؟ هل تعرفون كم هي الأفعال الجرميَّة والشاذَّة في المجتمع المدرسي وخصوصاً الجامعي، والمجتمع اللبناني عموماً، وعلى أنواعها الجسدية والمعنوية كافة؟

لن أُذكّركم، فكلكم أو معظمكم يعلم، والمصيبة أنكم تعرفون وتقابلون هذا الفلتان الموغل في المجتمع حتى الإدمان بالسكوت أو التعمية، والمصيبة الأعظم، إذا كنتم لا تدركون ولا تعرفون! والأسف أنَّها أصبحت ثقافة معيوشة ومنتشرة بشكل مخيف، لتأتي المعالجات متأخرة وآنيَّة تُخدر ولا تشفي، تستغبي عقول المواطنين الغاطسين في همومهم اليوميَّة أو المرتهنين لأسيادهم والمهددين في لقمة عيشهم، أو المبرمجين طائفيًا والمنقسمين مذهبيًا.
ربَّ سائل عن الأسباب التي أوصلتنا إلى هذا الدرك. عندما قصد أهالي أثينا الفيلسوف سقراط، ليسألوه عن الأسباب التي أدَّت برأيه، إلى سقوط مدينتهم بهذه السرعة على يد سبارطة، أجابهم على الفور: اذهبوا وغيّروا النظام التربوي. من هنا يبدأ التغيير، من المعلم والمربي الصالح ذي الشخصيَّة المتوازنة، في العلم والمعرفة، والأخلاق والقيم، والتجربة والخبرة.
مهمٌّ جدًا أن نحدد معايير الكفاءة، لكن الأهم أن نعرف أين وكيف نبني هذه الكفاءة؟ وهل يوجد أفضل من دور المعلمين والمعلمات في المركز التربوي للبحوث والإنماء، ومن كلية التربية في الجامعة اللبنانية، لإعداد المديرين وجميع أفراد الهيئة التعليمية أو تدريبهم؟ وهل أدرك القيّمون الذين تعاقبوا على الشأن التربوي في لبنان، مدى الجرم الذي ارتكب عندما اتخذوا قرارهم بتجميد عملية الإعداد في الدور والكلية؟ وهل يعرف المسؤولون عن القطاع التربوي في لبنان، أنّ تغطية حاجة المدارس، على أنواعها، بمعلمين متعاقدين يحمل معظمهم كفاءة الوساطة والمحسوبية، كانت السبب الأساسي في تدهور المستويين العلمي والتربوي؟
ماذا استفاد اللبنانيون من الحلول التي قدّمتها الدول الغيورة علينا منذ العام 1840 وحتى اليوم؟ وماذا استفدنا من الميثاق غير المكتوب مع نيل الاستقلال، أو المكتوب في الطائف، غير تعميق الهوة بين اللبنانيين، حتى على مستوى المذهب الواحد والعائلة الواحدة؟
الحلّ هو في بناء دولة «الإنسان من دون تمييز ولا امتيازات»، تمامًا كما وصفته المادة 7 من الدستور اللبناني، بعيداً من المحاصصة والمناصفة، وهذا يستدعي تأسيس فلسفة جديدة للدولة قوامها بناء ملمح لمواطن واحد سويّ يتحدث بلغة المواطنية الواحدة.
نبيل نقولا قسطنطين
أستاذ جامعي