وليد سليس*في الوثائق المسربة التي نشرها موقع ويكيليكس، هناك حديث من بعض المسؤولين العرب عن الشيعة. الحديث في معظمه غير إيجابي ويذكرنا بما قاله الرئيس المصري حسني مبارك عن ولاء الشيعة لإيران أو ما قاله الملك الأردني عبد الله الثاني عن الهلال الشيعي.
في خضمّ ما نسمعه، لا يمكن إلا أن نتذكر كتاب «الشيعة العرب: المسلمون المنسيّون»، الذي صدر في عام 1999 للباحثين غرهام فولو وراند فرانكي، اللذين أجادا توصيف الحالة الشيعية في المنطقة، فكان العنوان مطابقاً لما يحتويه الكتاب.
يمكن القول إنّه خلال السنوات العشر الماضية، نُشرت أبحاث عدّة تطرقت إلى الشيعة في الخليج. كذلك فإن هناك في الوقت نفسه تزايداً في التقارير الدولية التي تصدر عن المنظمات الحقوقية وتتطرق إلى المسألة الشيعية، واعتبار هؤلاء مجموعة من السكان يمارس عليهم التمييز الممنهج والاضطهاد في أوطانهم.
عند قراءة الوثائق، يظهر الشعور العام لدى الحكام الذين يريدون أن يبقى الشيعة في مكانة ضعيفة، وكثيراً ما يجري تصويرهم على نحو سيئ وكأنهم إرهابيون وخارجون عن القانون. وهذا واضح في معظم اللقاءات التي نقلتها الوثائق، ومنها لقاء جمع وليّ عهد أبو ظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان مع نائب وزير الطاقة الأميركي دانييل بونمان بتاريخ 9/12/2009 في أبو ظبي. تحدث الشيخ محمد إلى نائب السفير عن الخطر الذي تمثله إيران، وقال «الأكثر خطورة أنّ إيران تقوم ببناء «إمارات» في العالم الإسلامي في كلّ من جنوب لبنان وغزة، وهناك «إمارات» نائمة في الكويت والبحرين والمنطقة الشرقية في السعودية، والخلية الأم في جنوب العراق والآن في صعدة في اليمن» (وثيقة رقم 09ABUDHABI1151).
أما وزير الخارجية القطري، حمد بن جاسم آل ثاني، فقال للسيناتور الأميركي جون كيري في الدوحة بتاريخ 13/2/2010 إنّ «رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي يريد العراق دولة شيعية، رغم أنّ السنّة يمثلون الأكثرية عندما يتم حساب الأكراد وغير الأكراد» (وثيقة رقم 10DOHA71).
في المقابل، نقل السفير الباكستاني في السعودية عمر خان الشيرازي إلى السفير الأميركي في السعودية جيمس سميث في اجتماع جمعهما في الرياض بتاريخ 20/10/2009 أنّ «العلاقات السعودية ـــــ الباكستانية توترت منذ انتخاب الرئيس آصف زرادي وذلك لاعتقاد السعودية بأنّ زرادي موالٍ لإيران و للشيعة» (وثيقة رقم 09RIYADH1415). ويتقاطع هذا الكلام الذي قاله السفير الباكستاني مع ما ورد على لسان وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد خلال لقائه مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى جيفري فليتمان في واشنطن بتاريخ 7/4/2009 عندما قال «السعوديون لم يحبّوا مطلقاً حزب الشعب الباكستاني، وهم يدعمون نواز شريف. بالإضافة إلى ذلك، تعتقد السعودية أنّ زرادي شيعي، وهذا أوجد قلقاً سعودياً من قيام مثلث شيعي في المنطقة بين إيران، وحكومة المالكي في العراق، وباكستان» (وثيقة رقم 09STATE34688).
وحين اجتمع رئيس جهاز الاستخبارات العامة المصرية عمر سليمان مع عدد من النواب الأميركيين عند مشاركتهم في منتدى الاقتصاد العالمي الذي أقيم في شرم الشيخ في مصر خلال فترة 18 ــ 20 أيار/ مايو 2009 ذكر لهم أنّه «يركز على تنامي التأثير الإيراني في العراق، حماس، حزب الله، والمجتمعات الشيعية في الخليج» (وثيقة رقم 08CAIRO1067).
أثبتت العقود الماضية عدم صلاحية هذه المحادثات، إلا أنّها أصبحت مبرراً للحكومات العربية كي تمارس الإقصاء عبر لعبة التشويه. وهي لعبة سهلة لأنّها تزيل المسؤولية القانونية والأخلاقية المترتبة عن إبعاد الشيعة عن مناطق اتخاذ القرار. لكن ممارسة التهم الجاهزة لن تجدي نفعاً، فالوقائع على الأرض تتحدث عن نفسها. عندما كانت المعارضة السعودية الشيعية في قمة نشاطها وأتت حرب الخليج، أوقفت هذه المعارضة نشاطها. كما بعثت برسائل إلى الحكومة السعودية تعلمها بأنّها مستعدة لحث أبناء الشيعة على المشاركة مع الجيش السعودي في الدفاع عن حدود الوطن. وهذا ما حصل أيضاً في الكويت عندما وقف الشيعة كالحائط في مواجهة الجيش العراقي دفاعاً عن وطنهم.
لن تغيّر أحاديث المسؤولين العرب إلى المسؤولين الأجانب من المعادلة، ولن يزيد الشيعة إلا إصراراً على حبهم لأوطانهم لأنّهم ولدوا ونمت أجسامهم من ترابه.
أيها المسؤولون العرب، إذا كان لديكم مشكلة فضعوها على الطاولة، وهذا مطلب شيعي بامتياز، يتكرر بين الفينة والأخرى. مثلاً، سعى الشيخ علي سليمان، الأمين العام لجمعية الوفاق الوطني الإسلامية، الحزب الذي يمثل غالبية الشيعة في البحرين بـ 18 مقعداً من 40 في البرلمان اليوم، في خطبة الجمعة بعد الحملة الأمنية التي قامت بها الحكومة البحرينية، الى اعتقال عدد من القيادات الشيعية البارزة في كانون الأول/ ديسمبر 2007 لتهدئة الشارع الشيعي. ولم يحاول أن يستثمر الفرصة في تحريك الشارع ضد الحكومة، بل تحدث بلغة هادئة. قال «تصوري، وأتمنى أن لا أكون مخطئاً، أنّ الأحداث الأمنية لا تفرح أحداً ولا تريح رشيداً من الحكومة أو من المعارضة. ما يحتاج لعلاجه اليوم وبسرعة هو إيقاف التدهور الأمني والعمل على تحريك المطالب السياسية من دون الإرباك الأمني وأن تسمح الحكومة بتحريك المطالب السياسية وبحرية التعبير عنها من دون الحاجة إلى أي اصطدامات. ولن يكون الوطن مستفيداً من إلقاء الكرة على هذا الطرف أو ذاك في حال استمرار الحدث الأمني». وأضاف «الوطن بكلّ مكوناته يحتاج إلى الأمن والاستقرار، نحن نحتاج إلى الأمن في قرانا كما تحتاج الدولة إلى الأمن العام وأمن الاقتصاد وغيرها من الأمور. الجميع يحتاج إلى الأمن». من جهته، قال الدكتور توفيق السيف، الأمين العام للمعارضة الشيعية السعودية المنحلة في خلال اللقاء الذي أجرته معه قناة الجزيرة في برنامج «في العمق» بتاريخ 29/11/2010 مجيباً عن السؤال الذي طرحه عليه مقدم البرنامج عن حالة القلق عند السلطة السياسية تجاه المطالب الشيعية «أعتقد أن هنالك عملية تصنيع وإعادة إنتاج للقلق... ونحن نطالب دائماً بمناقشة الموضوعات، ونقول إذا كنتم مرتابين في مسألة، سواء تعلقت بالمجتمع الشيعي ككل أو بأفراد منه، فضعوها على الطاولة. دعونا نناقشها لعلنا نستطيع أن نقتنع برأيكم أو لعلنا نستطيع أن نكشف لكم عن خطأ ما تقولون. لكن للأسف، حتى الآن القضايا الرئيسية لم توضع على الطاولة، لا يزال كبار المسؤولين يرون أنّ هذه المطالب محقة، لكنّها تحتاج إلى زمن. ونحن نعتقد أنّ هذا تسويف». وكانت الحركة الشيعية المعارضة للحكومة السعودية التي يتزعهما السيف قد توقفت عن العمل في عام 1993، بعد التفاهم مع السلطات على عدد من المطالب الشيعية. ووعدت

أصبح اتهام الشيعة بالولاء لإيران مبرراً للحكومات العربية كي تمارس الإقصاء عبر لعبة التشويه
الحكومة بتحقيقها، لكنّها لم تتحقق حتى الآن. أما في الكويت، فالموضوع لا يحتاج إلى إثبات، فعلاقة الشيعة مع العائلة الحاكمة في أجمل صورها، وكثير من قضاياهم تحلّ بالحوار، إما عن طريق البرلمان أو الحكومة. ويعود ذلك إلى وجود من يستمع إلى مشاكلهم ولا ينظر إليهم نظرة يسودها عدم الثقة.
وفي الختام، أذكّر بما قاله الشيخ حسن الصفار تعليقاً على حديث الرئيس المصري عن ولاء الشيعة لإيران «الشيعة هم الذين قادوا ثورة العشرين في العراق، فهل كان في ذلك شك في وطنيتهم؟ الشيعة في البحرين هم الذين صوّتوا لاستقلال البحرين ولم يقبلوا بالانضمام إلى إيران. الشيعة في المملكة العربية السعودية هم الذين بادروا الى مبايعة الملك عبد العزيز مؤسس الدولة السعودية». وأضاف الصفار متسائلاً في السياق ذاته «وفي لبنان الشيعة يقاومون إسرائيل وحرروا جنوب لبنان، هل هذا يدل على نقص في ولائهم لوطنهم؟».
أيها الحكام والمسؤولون العرب، افتحوا الأبواب لمواطنيكم الشيعة كي يكونوا شركاء في أوطانهم، فسياسة الإقصاء والتمييز لن تولّد إلا مزيداً من توتر العلاقة واضطراب في الشرعية السياسية. والسبيل الأنجع هو أن يشعر المواطنون الشيعة بأنّهم جزء من أوطانهم. ويجب على الحكومات أن تبحث عن الاستقرار السياسي والاجتماعي وبناء دولة قوية قادرة على مواجهات التحديات المختلفة، ولا يمكن تحقيق ذلك في ظل سياسة تشويه صورة الشيعة في العالم وعدم إعطائهم حقوقهم المدنية والسياسية باعتماد مبدأ المساواة.
* كاتب سعودي