تونس | حلّت رئيسة الوزراء الإيطالية، جورجيا ميلوني، مجدّداً، ضيفةً على قصر قرطاج، أمس، حيث التقت الرئيس التونسي، قيس سعيد، لتقدّم له، هذه المرة، عرضاً وصفته الصحافة الإيطالية بـ«السخي»، في مقابل تطبيق بلاده «التزامات» الحدّ من الهجرة غير النظامية نحو أوروبا، وخصوصاً إيطاليا. ويجيء هذا العرض في ظل غياب أيّ خطوات من جانب السلطة لوقف تدفّقات المهاجرين، والتي لم تشهد أيّ انخفاض منذ التوقيع على الاتفاقات في حزيران 2023، ما جعل ميلوني متيقّنة من أن تونس لن تكبح مسارات الهجرة، كونها تحقّق لها مدخولاً بالعملة الصعبة. وتعي الرئاسة التونسية، في المقابل، أن إحباط آمال آلاف الحالمين بالهجرة على مراكب الموت نحو الضفة الأوروبية، سيخلق أزمة داخلية في ظل الأوضاع المعيشية المتدهورة وتزايد نسب البطالة.وبحسب الاتفاق الجديد، تعتزم الحكومة الإيطالية تنظيم تدفقات الهجرة من التونسيين بما يسمح باستقطاب 12 ألف مهاجر من اليد العاملة كل سنة، بالإضافة إلى التخفيف من قيود إسناد التأشيرات إلى الطلبة التونسيين الراغبين في استكمال دراساتهم في الجامعات الإيطالية. وفي هذا السياق، التقى وزير التعليم العالي التونسي، منصف بوكثير، نظيرته الإيطالية للتباحث في هذا الملف وتجسيد إعلان النوايا الإيطالي في شكل قرارات، خاصة أن غالبية الدول الأوروبية اتّخذت منحى «عقابياً» إزاء سعيد ونظامه، وقامت، منذ سنة 2022، بالحدّ من التأشيرات.
أمّا الجزء الأهم في هذا الاتفاق، فيتمثّل في الدعم المباشر لميزانية الدولة التونسية، من أجل الاستثمار في الطاقة والطاقات المتجددة بقيمة 50 مليون يورو، وفقاً لما نقلته «وكالة الأنباء الإيطالية»، فضلاً عن فتح خط ائتمان بقيمة 55 مليون يورو للشركات التونسية الصغيرة والمتوسطة. وتطمح إيطاليا، عبر ذلك، إلى خلق موارد للاستثمار المحلي وتالياً التخفيف من حدّة البطالة بين الشباب، خاصة أن الإحصائيات كشفت أن نسبة معتبرة من المهاجرين غير النظاميين إلى إيطاليا هي من أصحاب الشهادات العليا أو حتى من موظفي الدولة والقطاع الخاص، وأن الهجرة لم تعُد تقتصر على أصحاب الحرف والمهارات اليدوية.
يوفّر الاتفاق دعماً مباشراً لميزانية الدولة التونسية عبر الاستثمار في الطاقة والطاقات المتجددة بقيمة 50 مليون يورو


ويبدو أن ميلوني تلقّفت تصريحات سعيد، الذي قال، خلال اجتماع لـ«مجلس الأمن القومي»، الإثنين الماضي، إنه لن يقبل بتوطين مهاجري جنوب الصحراء الذين دخلوا تونس بنيّة الهجرة غير النظامية إلى أوروبا، مؤكداً أن «المسألة غير قابلة للنقاش»، وأن «البلاد لن تكون نقطة عبور ولا استقرار». كما أشار إلى أن آثار اتفاقات الهجرة التي وُقّعت في زمن الرئيس الراحل، الباجي قائد السبسي، سنة 2017، قضت «بتحويل البلاد إلى حارس للحدود الأوروبية»، وأغرقتها بالمئات من المهاجرين، متوعّداً الأطراف التي عملت على الاتفاق بـ«الملاحقة والمحاسبة». وخلال لقائه مع ميلوني، أكّد سعيد، مجدّداً، رفضه أن تكون تونس «مستقراً أو معبراً للمهاجرين غير النظاميين»، داعياً إلى «اعتماد مقاربة جماعية لمسألة الهجرة ومعاضدة الجهد التونسي في محاربة شبكات الإتجار بالبشر في جنوب المتوسط وشماله». وإذ لفت إلى أن تونس بذلت مجهوداً ضخماً في مسألة الإحاطة بالمهاجرين الأفارقة غير النظاميين، فهو أشار إلى أن هؤلاء هم «ضحايا النظام الاقتصادي العالمي»، وأن بلاده، بدورها، باتت ضحية «تنظيمات» تعمل على دفع تدفّقات الهجرة نحوها.
من جهتها، قالت ميلوني، في تصريح صحافي عقب لقائها الرئيس التونسي، إن العلاقة الاستراتيجية مع تونس تُعدّ من «الأولويات المهمّة» بالنسبة إلى إيطاليا، مضيفة أنها تفهم الموقف التونسي، وأنها جاءت إلى هذا البلد رفقةَ وزير داخليتها ووزيرة الجامعات والتعليم العالي، لتوقيع اتفاقات ثنائية متعلّقة أساساً بالتعاون الأمني لوقف حركات الهجرة وكشف الشبكات التي تتولّى جلب المهاجرين من الدول الأفريقية ومساعدتهم على عبور الحدود بين تونس والجزائر وليبيا. كما شدّدت ميلوني على أن علاقتها بسعيد وتونس «تقوم على المساواة والندية»، مشيرةً إلى أنها «صديقة شخصية لسعيد».