تونس | على مدار السنوات الماضية، كان شارع الحبيب بورقيبة في العاصمة التونسية، يتحوّل إلى «معرض سياسي» متنوّع في الـ14 من كانون الثاني من كلّ عام، حيث تتجمّع الأطراف السياسية، مختلطة أو كلّ على حدة، حاملة أعلامها وشعاراتها المختلفة حدّ التنافر، على طول الشارع الأكبر الذي صدح فيه صوت المعارض التونسي، عبد الناصر العويني، منذ 11 سنة في ليلة شتوية باردة، بهتافه الشهير: «بن علي هرب...».اليوم، وعلى غير عادة عشر سنوات من الاحتفاء بهذا التاريخ وإقراره عيداً رسمياً، ذهب التونسيون إلى العمل بشكل عادي، واقتصرت دعوات الاحتفاء بالذكرى على أحزاب ومكونات سياسية معارِضة للرئيس قيس سعيد، رأت في المناسبة فرصة للتنديد بقرارات سعيد وممارساته، التي اعتبرتها خطراً على التجربة الديموقراطية وتوجّهاً للعودة إلى الحُكم الفردي. وتحدّت هذه الدعوات قرار الحكومة التونسية منْع جميع التظاهرات والتجمّعات نظراً للوضع الوبائي، ومواجهة البلاد موجة خامسة من فيروس «كورونا».
استفاق «شارع الثورة»، صباح الجمعة، محاصَراً بالحواجز الأمنية، ومحاطاً بجحافل من التشكيلات المختلفة. ومع اقتراب موعد التظاهر ظهراً، صار الدخول إلى هذا الشارع مهمة شبه مستحيلة، إذ قام أعوان الأمن الذين تواجدوا بأعداد غفيرة، بمنع المترجّلين والسيارات من دخول المنطقة، قبل أن تندلع اشتباكات بين عدد من المحتجّين والأمن، الذي استعمل الغاز المسيل للدموع والمياه لتفريقهم. «كنّا هناك... على عتبة التاريخ... قبل أن تأتي الضباع وبنات آوى ولصوص الفرص... قبل أن يلتحق الجبناء والرماديون وراكبو القطار الأخير... كنّا هناك مكشوفي الوجه والصوت والانتماء، خيارنا وطن حرٌّ وشعب عظيم... كنّا هناك... والشارع يميّز فرسانه من مغتصبيه ولن نكون جسرهم إليه...». بهذه الكلمات، اختار المحامي والناشط السياسي، عبد الناصر العويني، التعليق على المناسبة وما حفّ بها من جدل وتجاذبات سياسية، وهو الذي طُبعت صورته صارخاً في عتمة ليلة هروب الرئيس الراحل، زين العابدين بن علي، في ذاكرة كلّ التونسيين.
اقتصرت دعوات الاحتفاء بالذكرى على أحزاب ومكوّنات سياسية معارِضة للرئيس قيس سعيد


أما الأمين العام المساعد لـ»اتحاد الشغل»، سامي الطاهري، فقد كتب في حسابه على «فيسبوك»، تدوينة تضمّنت انتقاداً لإلغاء سعيّد الـ14 من كانون الثاني كتاريخ لإحياء الذكرى السنوية لـ»الثورة»، وتعويضه بالـ17 من كانون الأول. وقال الطاهري إن هذا التاريخ «مُلك التونسيين ولا يُمحى بجرّة قلم». وتابع: «التاريخ لا تحكمه النزوات... والليالي السود (في إشارات إلى الليالي شديدة البرودة) هي ليالي الخصب...».
من جانبه، اعتبر هيكل المكي، القيادي في «حركة الشعب» (المساندة لسعيد)، أن «14 يناير يوم من أيام الثورة التونسية ووجب الاحتفال به على غرار الاحتفال بتاريخ 17 ديسمبر». وأضاف: «نحن نختلف مع الرئيس سعيد في هذه المسألة وفي التركيز عليها بهذا الشكل... أعتقد أن الثورة تراكمات وتاريخ...».
وفي السياق نفسه، رأى الكاتب والباحث الأكاديمي، عادل لطيفي، في تصريح إذاعي، أن «قيس سعيد شخص لا علاقة له بالثورة لا قبلها ولا بعدها... الرئيس تحوّل إلى ثوري بعد الرئاسة، وأراد فرض قراءة جديدة، بإعلاء تاريخ 25 تموز على 14 كانون الثاني».