تنظر محكمة «ناحية» في مدينة «منزل تميم» في قضية رفعتها النيابة العامة تتهمني بـ«المجاهرة بما ينافي الحياء» و«إحداث الهرج والتشويش» على خلفية إيقافي مع الصحافي مهدي جلاصي وفتاة عند شاطئ مدينة «قليبية» في آب (أغسطس) الماضي (الأخبار 6/8/2012).
رجال الشرطة العشرون اقتحموا الخيمتيْن اللتين نصبناهما على الشاطئ في مكان منعزل عن الناس. لا شك في أنّهم لاحظوا الحجم الضخم من التشويش والهرج، ما عدّوه منافياً لحيائهم في ذلك المكان المقفر من العباد، وهم الذين اقتحموا خلوتنا ونحن نائمون. ضبطنا الفيلق الصغير من أعوان الشرطة متلبّسين بالتشويش على البحر والرمال المنزعجة من تصرفاتنا ونحن في عزّ النوم! لكن ما غاب عن هؤلاء، أنّ رصيدي من الأعمال الإجرامية تجاه المواطنين منذ اندلاع الثورة، يخوّلني الإقامة الطويلة في أكثر السجون قرفاً في تونس.
أنا أعترف لكم بأنّه لم يمرّ أسبوع منذ فرار الرئيس المخلوع من دون أن أحرض الناس على الجهاد في سبيل الله، وأدعوهم إلى كنس الكفار من أرض الإسلام. أنا صاحب العبارة الشهيرة «موتوا بغيظكم!»، وأنا أيضاً مهرّب السلاح عبر الحدود الليبية، حيث خضعت لتدريبات حربية من أجل تطهير البلاد من العلمانيين الملحدين. وأنا أيضاً ممن فرضوا إغلاق «قصر العبدلية» ومنعوا الفنانين من عرض أعمالهم. وأنا ذلك الشخص الذي يكون دوماً برفقة ميليشيات الحزب الحاكم أضرب بما أوتيت به من قوة كل شخص ناقم على أفضل حكومة وُجدت منذ استقلال تونس. وأنا أيضاً ذلك الملتحي الذي صاحب السلفيين للاعتداء على محالّ بيع الخمر التي تنشر الفتن والفساد في وطننا النقي. وأنا الذي أجّجته نيران الغضب بعدما عرضت قناة «نسمة» فيلماً كارتونياً وجده مشائخنا الأجلاء أنه يهدف إلى تدمير ديننا الحنيف. وأنا العقل المدبر لجميع أعمال العنف التي تعرضت لها مقارّ الأحزاب السياسية التي تسعى إلى خراب الحكومة. وأنا الذي رأى أنّ إنزال العلم التونسي عن مبنى كلية الآداب في منوبة إنجاز عظيم يضاف إلى الفتوحات الإسلامية الخالدة. وأنا الشخص الذي اعتدى على المفكر حمادي الرديسي والصحافي زياد كريشان في شارع باب البنات أمام وسائل الإعلام.
وأزفّ لكم نبأً ربما لم تتنبهوا إليه سابقاً. زملاؤكم أفراد الشرطة الذين يبدو أنّهم لم يرضخوا بعد لعصا الحزب الحاكم، ألقوا القبض عليّ مثلما فعلتم أنتم عندما أمسكتموني متلبساً بالتشويش على ماء البحر في العديد من المرات. وكانت النيابة ترفض دوماً إحالتي على القضاء، رغم توافر جميع الأركان المادية للجرائم التي اقترفتها آنفاً، معتبرة أنّ تلك الفظاعات لا تستحق عقوبة مقارنة بما قمت به في ذلك المكان المنعزل من «أحداث هرج» على رمال البحار الساكنة. إنّه لجرم فظيع، ويجب عزل مرتكبه عن المجتمع حتى لا يخرّبه. دمتِ أيتها النيابة العامة ذخراً لحياء سكان البلاد وبحرها ورمالها.
* صحافي وناشط تونسي