«أمثال هيكل يقررون متى يموتون. امتناعه عن الطعام والدواء، يؤكد على أنّه حسم أمره واتخذ قراره». عبارة كتبها الصحافي المصري محمد الباز على صفحته على الفايسبوك مساء الجمعة الماضي، أي قبل خمسة أيام من وفاة أبرز صحافي في تاريخ الصحافة العربية. كان يوم الجمعة قد شهد أول شائعة عن وفاة «الأستاذ» أطلقتها كاتبة كويتية تدعى فجر السعيد. بعدها، خرج عماد الدين حسين رئيس تحرير جريدة «الشروق»، مؤكداً أن محمد حسنين هيكل في حالة حرجة، ممتنع عن تناول الطعام أو إجراء عملية الغسيل الكلوي. لقد بدا أنّه اتخذ فعلاً قرار الرحيل.
كان هيكل والمقربون منه قد نجحوا في إخفاء خبر مرضه لأكثر من ثلاثة أسابيع، حتى تسرب فقط عبر مقالات صحافية لأحمد المسلماني في «المصري اليوم»، وصلاح منتصر في «الأهرام». وفق مصادر مقربة من الأسرة، فإنّ القرار كان اعتبار المرض العضال الذي أصابه قبل الرحيل، خبراً خاصاً به وبأسرته، فالرجل التسعيني صاحب المكانة الفريدة في تاريخ الصحافة العربية، صانع الأخبار والقرارات الأهم في تاريخ مصر خلال حقبتي الخمسينات والستينات، فضل ألا يكون هو محور الأخبار في أيامه الأخيرة. هذا ما يفسر تحفظ معظم الصحافيين والكتاب المقربين منه عن التصريح بحالته الصحية والرد على استفسارات الصحافيين التي لم تنقطع منذ الكشف عن خبر المرض. كذلك، استاءت أسرة هيكل مما جرى تداوله عن أنّه طلب السماح لنجله الأصغر حسن بالحضور إلى القاهرة وسحب اسمه من قوائم ترقب الوصول في قضية المخالفات المالية المتهم بها. الأسرة رأت أن هيكل عاش حياته وهو يفصل بين مكانته المهنية والسياسية والأمور القانونية. ورغم أنّه صدر بحق نجله الأصغر قرار ضبط وإحضار لمدة 6 أشهر فقط، إلا أنّه لم يجدد، لكن كالعادة يخشى كل ملاحق بأي تهمة من تفعيل قرارات غير معلنة عند وصوله إلى القاهرة، غير أنّه بإعلان خبر الوفاة أصبح السؤال قائماً: هل سيسمح للنجل الأصغر بتقبّل العزاء بوالده أم لا؟
«لا تستطيع أن تستعيد سلطة جمال عبد الناصر بسياسات إسماعيل صدقي»

أسرة هيكل استاءت أيضاً من العديد من المواقع المصرية والعربية التي نقلت شائعة وفاته عن حساب فجر السعيد على تويتر، وقال صحافي مقرب من «الأستاذ» لـ «الأخبار» إنّه لا يصدق أنّ صحفاً مصرية نقلت عن كاتبة عربية لا تقيم في مصر خبراً بهذا الحجم كأنه أمر مسلّم به، وكأن فجر السعيد تقيم مع الأسرة مثلاً. وأشار إلى أنّ الدائرة القريبة من هيكل شعرت بأنّ كل ما صنعه مع زملاء جيله لتاريخ الصحافة المصرية، ينهار أمام هذه النوعية من الأخبار.
وكان هيكل قد غاب عن الأضواء شهراً قبل الغياب الأخير. آخر ظهور تلفزيوني له كان مساء يوم الجمعة 25 كانون الأول (ديسمبر) في جزء جديد وأخير من سلسلة حواراته مع الإعلامية لميس الحديدي على قناة «سي. بي. سي». كانت السلسلة تحمل عنواناً عريضاً هو «مصر... أين وإلى أين». في هذا الحوار، قال هيكل إن النظام الحالي يعمل من دون خارطة للمستقبل، ويحتاج إلى مناقشة كل الأزمات التي تواجهها البلاد بشفافية. وأضاف: «يبدو أننا نسير في طريق لا نفهمه ولا نعرفه، ولا ندرك أننا أمام مرحلة خطيرة أكثر عمقاً. آن الأوان للنظام الحالي لأن يجلس ويناقش». وأشار إلى أنّ «الشعب يريد طريقاً عملياً للخروج من الأزمة الحالية». وكان حوار سابق من السلسلة نفسها، قد شهد مقولة لافتة لهيكل قال فيها إنّ الرئيس عبد الفتاح السيسي يجب أن يثور على نظامه، موضحاً أنّه محاط حالياً برجال نظام مبارك الذين يديرون المحروسة بالفكر نفسه الذي أدى إلى إسقاط الرئيس المخلوع. وعلمت «الأخبار» أنّ فترة مرض هيكل شهدت اتصال اطمئنان من السيسي بأسرته.
وكانت مجموعة من محبي وتلاميذ هيكل قد احتفلت بعيد ميلاده الثاني والتسعين في أيلول (سبتمبر) الماضي. احتفال لم يفوته هؤلاء من دون معرفة رأي هيكل في الأوضاع السياسية. يومها، قال بحضور نقيب الصحافيين يحيى قلاش، والكاتب عبد الله السناوي، والإعلامية لميس الحديدي وغيرهم إنّ الوضع في مصر معقد جداً لأن الحقائق غائبة، مؤكداً أنّ السيسي «مستعد ليسمع وينصت ويتفهم، لكن الأزمة تكمن في غياب منهج للتفكير، كما أننا نعاني أزمة كفاءة، والعثور على نقطة بداية أمر في منتهى الصعوبة»، خاتماً الاحتفال بعيد ميلاده الأخير بقوله «لا تستطيع أن تستعيد سلطة جمال عبد الناصر بسياسات إسماعيل صدقي»، علماً أنّ صدقي يصنّف بأنه أكثر رؤساء الحكومات المصرية قمعاً في ثلاثينات القرن العشرين.