كما العادة، لبّى أهل عيتا الشعب (جنوب لبنان) نداء رفيق قاسم لزيارة البلدة، لكن هذه المرة لمناسبة تشييعه مع رفيقه حسين صالح أمس، على إثر استشهادهما ظهر الأحد الماضي بغارة استهدفت سيارتهما خلال تجوالهما في البلدة. مصير كان متوقّعاً لقاسم في الدرجة الأولى. فقد كتب منشوراً على صفحته على فايسبوك حول الشهداء قائلاً: «أنتم السابقون ونحن اللاحقون». شهادة توقّعها له كثر بسبب إصراره على زيارة عيتا يومياً وتفقّده الصامدين والمتطوّعين المسعفين والحيوانات الشاردة والحقول والمزروعات.منذ بدء العدوان الإسرائيلي، أنشأ قاسم مجموعة أخبار على «الواتساب» لنقل وقائع ما تشهده من غارات وقصف ودمار وتشييع شهداء، أسماها «غروب الخشة الإخباري». والخشة نسبة إلى القبو الذي كان يحتمي به من الغارات والقصف في «حي النقاز» حيث يقيم قبالة موقع الحدب الإسرائيلي. طوال ستة أشهر، صمد أبو حسن في عيتا الشعب، رافضاً المغادرة من رفضه إفراغ وتهجير عيتا كما ترغب إسرائيل إلى اهتمامه بالحيوانات الأليفة الشاردة التي تُركت في الشوارع والمواشي والدجاج التي كان يرعاها ويبيت معها في الخشة. وبرغم عمله في مجال مختلف تماماً هو صيانة السيارات، لكنه فرض نفسه مراسلاً إخبارياً ومصوّراً تعتمد عليه المواقع المحلية على صفحات التواصل الاجتماعي في عيتا الشعب ومنطقة بنت جبيل والإعلاميون المتخصّصون. صار أبو حسن القناة التي يشاهد عليها أهل عيتا الغارات وآثارها على منازلهم وصار المذيع الذي يبث عبر الراديو الرسائل الصوتية والأخبار حول ما يحدث. وكثر كانوا يحمّلونه أغراضاً يوصلها إلى عيتا أو يجلبها لهم من بيوتهم، لأنه كان الزائر الذي لم ينقطع. تقول ابنة عمه زينب قاسم بأنّ العبارة/ البشارة، التي ارتبطت بقاسم كانت «لا إصابات» التي كان يطمئن بها بعد الغارات المعادية.
تشير شقيقة قاسم (43 عاماً) هلا قاسم إلى أنّ شقيقها الأصغر عُرف منذ صغره بحبّ الأرض والناس والحيوانات. قيم إنسانية تداخل بعضها ببعض لتصنع منه فلاحاً رحيماً بكل من عليها من الزرع إلى الحيوانات. وبالنسبة إلى الاهتمام بإطعام الحيوانات الشاردة، تشير هلا إلى أنه وجد نفسه معنياً بها بعد اضطرار الأهالي للنزوح. كان يؤمّن لها الطعام من مؤونة البيت من معلبات ولاحقاً صار يؤمّن لها الطعام الجاهز. تصطحبنا هلا في جولة على منزل أهلها حيث كان يتردّد شقيقها الشهيد في الأسابيع الأخيرة. «عندما دخلنا إلى البيت اليوم لاستقبال جثمانه، وجدنا كلباً نائماً في غرفة الجلوس حيث كان رفيق يفترش الأرض ويستريح. آوى الكلب الذي كان مرتعباً من دوي الغارات. وفي المطبخ، كان يحتفظ بأكياس الأكل الخاصة بالكلاب والقطط».
شريك قاسم في الشهادة هو صديقه القديم الشهيد حسين صالح الذي بدأ يرافقه في جولاته على عيتا منذ حوالي شهر. صار صالح، المتخصّص في صيانة كهرباء السيارات، المصوّر وقاسم المراسل أمام الكاميرا. في منزل آل صالح في «حيّ الرجم»، مرّ صالح للمرة الأخيرة وسط الركام.