كالعائلة التي وجدت ابنها وقد وصل إلى شاشات التلفزيون، يُشيرون إليه بأصابعهم الفخورة: «هذا ابننا يتحدّث ويُشاهده الملايين». تعامل المُجتمع اللبناني ببعض أطيافه مع ابنة لبنان، المحامية والناشطة الحقوقية البريطانية أمل علم الدين، عندما أُعلن عن خطوبتها من النجم الهوليوودي الشهير جورج كلوني، بهذا الشكل تماماً: «ابنتنا التي وصلت». مع أن زواجها منه لم يكن إنجازها، فهي محامية متخصّصة في مجال حقوق الإنسان، وكانت مستشارة للجنة التحقيق الدولية في قضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، وكانت وكيلة دفاع عن جوليان أسانج مؤسس موقع ويكيليكس في قضية تسليمه إلى السلطات السويدية، كما شاركت في الدفاع عن رئيسة الوزراء الأوكرانية السابقة يوليا تيموشينكو وغيرها من القضايا الشائكة التي عملت عليها بين ليبيا والسودان وسوريا.
ظهرت ابنة هوليوود التي «تدافع عن كُلّ قضايا الكون، وتهرب من وجه قضيتها»

لكن أمل، التي روّج إعلام الغرب بأنّها «من أشرس المُدافعين عن حقوق الإنسان»، خيّم عليها صمت القبور خلال العدوان الإسرائيلي الوحشي المستمرّ على غزّة وجنوب لبنان (وطنها الأم)، مع أنها من الذين أدانوا الجيش الروسي في وجه أوكرانيا وصرّحت في نيسان (أبريل) 2023 بأنّ «أوكرانيا اليوم مذبح في قلب أوروبا». أمل تلك التي شاركت في كلّ تلك القضايا وكان لها موقف الحزم بوجه «طُغاة الأرض»، لم تقِف في محكمة العدل الدولية لتُدين بنيامين نتنياهو، لم تفعل ذلك حتى تلميحاً. يبدو أن أمل تزوجت من روحية هوليوود أيضاً، إذ يفعل الجندي الأميركي ما يفعل ويرتكب ما حُلِّل له من جرائم، ثمّ يظهر في نهاية الفيلم على أنهُ البطل، كما حدث في نهاية فيلم «الحياة جميلة» (1997) حين يصل الجندي الأميركي على ظهر دبابة كمنقذ للطفل اليهودي الذي مات أبوه في محارق النازيين.
قد يكون ذلك هو التاريخ، لكن ثمة ما هو حاضر بالصوت والصورة، ثمة مذبحة تحدث الآن. ثمة موت يُذاع بالصوت والصورة، فإن لم يكن الوصول الآن، فمتى؟ «ابنتنا» التي وصلت، لم يصل صوتنا إليها. لم يصل صرير الطائرات إليها وهي تزمجر مُستعدّة لضرب أساسات بيت لتجعل كل شخص فيه في مكان. لم يصل إليها الفقد واليُتم والبرد والجوع، مع أنهُ وصل وعرف به سكان الأرض جميعاً، إلا ابنتنا، مشغولة بأمر آخر أو أنّ دعاية مُعاداة السامية في هوليوود والغرب تسدّ أذنيها عن صراخ الأطفال والأمهات أمام آلة الحرب الصهيونية. ابنتنا وصلت، وحدها، تُحاكي حقوق الإنسان الغربي وحده وتُشاهد موت «الحيوانات البشرية» بصمت.
استشارتها المحكمة الجنائية الدولية بشأن إدانة قادة المقاومة


أول من أمس، طلب مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية من قضاة المحكمة إصدار اعتقال لكلّ من نتنياهو ويوآف غالانت ويحيى السنوار وغيره من قادة المقاومة بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة. ليس غريباً على المحكمة أن تساوي الجلاد بالضحية، فعلينا أن نستغرب إن لم تفعل. لكنّ اللافت أنّ خريجة «جامعة كولومبيا»، التي بلعت لسانها، كانت من ضمن الخبراء الذين استشارتهم الجنائية الدولية عند إصدار هذا القرار. أمل ظهرت أخيراً! ويا لظهورها الغريب، تطالب بمساواة الجاني والضحية. أمل التي تماهت مع روحية الغرب، التي تصدّرت الأخبار على أنها المدافع عن حقوق الضعفاء، تساوي بين من أتى من آخر الدنيا ليبني مستوطنات لـ «شعبه» فوق جثث وأحلام وذكريات أصحاب الأرض، وارتكب الفظائع، ليس آخرها العدوان الوحشي على غزة، وبين من قال لا لهذا الاحتلال ورفض الخضوع له وقاومه ويموت رافضاً الذلّ أن يلحق به. تساوي بين مَن يقاوم الطُغاة وبين مَن يخرج بطائراته ودبّاباته ليحيل الناس والبيوت والأشجار والقصص والذكريات والأحلام رماداً. بالتالي، فهي لا تختلف عن ساسة ومؤثري الغرب الذين خرجوا يطلقون الأكاذيب على عملية المقاومة يوم السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023، يوم اتهموا زوراً المقاومة بأنّها اغتصبت النساء وقطعت رؤوس الأطفال، لينزعوا بذلك فعل المقاومة عن أبطال عملية «طوفان الأقصى»، وبذلك يسقط تعريف «حق الشعوب في تحديد مصيرها» أو حق الشعوب في الدفاع عن نفسها، فينقلب الصراع إلى كيانين متحاربين، يعاملهما العالم على أنّهما متساويان بالهدف التدميري نفسه، فيُصبح يا أمل من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها، أهذا ما تقصدينه؟ لأن هذا هو الهدف يا أمل، هذا هو هدف الغرب الذي تتسيّده أميركا من المساواة بين الجاني والضحية، وهذا ما تفعلينه بصمتك وحتى في دعمك لقرار الجنائية الدولية الذي صدر بهذا الشكل. يحق لإسرائيل الدفاع عن نفسها بوجه «هجمات حماس الإرهابية»؟ أهذا ما تريدين قوله؟ ظهرت «ابنتنا» أمل علم الدين أخيراً... ظهرت ابنة هوليوود الخجولة التي «تدافع عن كُلّ قضايا الكون، وتهرب من وجه قضيتها».