إذا فكّرنا في الأمر لدقيقة، يبدو غريباً أنّ في عصرنا هذا لا يزال هناك أنظمة ملكية وأباطرة وعائلات حاكمة. لكنّ الكثير تغيّر عبر العصور، حتى بتنا أمام عائلات ملكية أشبه بحفنة من المشاهير أكثر منها مجموعة ذات هيبة، كما في المملكة المتّحدة وإسبانيا والأردن وغيرها، ربّما مع بعض الاستثناءات في دول خليجية، لكنّ الأخيرة تسير على الطريق ذاته أيضاً. إلّا أنّ أمراً وحيداً لم يتغيّر، وهو ثراء العائلات الحاكمة، وابتعادها بشكل عامّ عن عامّة الشعب وما يواجهه من تحدّيات يومية، وعدم شعورها بأساليب حياته حتى لو حاولت الاكتراث لأمره. لم يشكّل ذلك مشكلة وازنة في عالم ما قبل العولمة، على عكس اليوم حيث بات كلّ شيء يحصل أمام أعين البشرية برمّتها، بالإضافة إلى أحلاف ومؤسّسات دولية لم تكن موجودة قبل مدّة قصيرة نسبيّاً.ما سبق أوجب على العائلات الحاكمة على إيجاد حلول لظهورها كحفنة من المنقطعين عن هموم الناس، فارتأت تنظيم حملات علاقات عامّة تظهرها قريبة منهم، مع مفارقتَين تكمن أوّلاهما في أنّ الحملات تموّل من ثروات هذه العائلات، وثانيهما في استخدام إحدى أبرز أدوات العولمة وهي الإنترنت. هكذا، وجدت ملكة الأردن رانيا العبدالله ضالّتها في مواقع التواصل الاجتماعي، فأجادت استخدامها بما يخدم الصورة التي تريد لشعب الأردن كما شعوب العالم رؤيتها وعائلتها بها، حتى تحوّلت إلى شبه «فاشنيستا»! إذ من الواضح أنّ الملكة تنفق الكثير على منشوراتها، فتعدّ فيديوات خاصّة بأعلى درجات الاحتراف، وتأخذ صوراً بأزياء باهية تشبه ما تقوم به عارضات الأزياء، وهكذا دواليك. وهو ما تجلّى بشكل خاصّ خلال زفاف ابنتها الأميرة إيمان قبل أشهر ومن ثمّ زفاف نجلها وليّ العهد الأمير الحسين قبل أيّام.
للملكة رانيا متابعون ومعجبون كثر على مواقع التواصل الاجتماعي، فلديها 18 مليون متابع على فايسبوك و10 ملايين على تويتر و9 ملايين على إنستغرام. تشبه صفحاتها هناك تلك التابعة لفنّانين عرب وحتى بعض المشاهير في الغرب. تشارك الملكة صوراً وفيديوات لأفراد عائلتها، بدءاً بزوجها ملك الأردن عبدالله الثاني إلى أولادهما، بالإضافة إلى مشاهد من جولاتها في بلدها ومقاطع لها وهي تتحدّث في مؤتمرات أو إلى الكاميرا، وكثير منها باللغة الإنكليزية. يبدو بديهيّاً أيضًا توجّه الملكة عبر صفحاتها إلى الجمهور الغربي، كأنّها تحاول أن تبيّن له «التحضّر» والرقيّ في الأردن، وتصوّر العائلة الحاكمة على أنّها «متسامحة» و«قريبة من القلب»، على عكس الصورة النمطية عن العائلات الملكية. لكنّ ذلك لا يلغي تفاعل الجمهور العربي الهائل، وللبنانيّين حصّة وازنة من الإعجابات والتعليقات أيضاً.
هكذا إذاً، تكون تجربة الملكة رانيا على السوشال ميديا ناجحة بشكل عامّ، لا بالنسبة إليها فحسب، بل أيضاً كونها جزءاً من حملة علاقات عامّة هدفها تلميع صورة الملك ومن حوله، بغضّ النظر عن أساليب الحكم والسياسات المتّبعة. قد نشهد انحساراً للأنظمة الملكية مستقبلاً، وإلّا فإنّ حملات التلميع ستنتشر أكثر، وهو الأمر الأكثر ترجيحاً.