أكثر من ثلاثين عاماً مرّت على انتهاء الحرب الأهلية، لكن mtv على ما يبدو ما زالت تتمسّك بالذكرى الأكثر دموية بين اللبنانيين، لتُعيد نكء الذاكرة وتزوير التاريخ. صحيح أنّ لا رواية موحدة حول ما جرى، لكن الأكيد أنّ لكل طرف روايته الخاصة. «قناة المرّ»، ومع كل مناسبة، تخرج ببرنامج أو فقرة تتناول من خلالها حقبة الحرب الأهلية، وتروّج للجزئية التي تتناسب مع سياستها. أخيراً، كان الجمهور على موعد مع فقرة «لحظة تاريخية» عبر منصتها الافتراضية. الفقرة التي لا يتعدى وقتها الأربع دقائق، يطل فيها أستاذ التاريخ إيلي الياس، ليتحدث عن قضايا لا تزال حتى اليوم شائكة وغير محسومة، ومن السهل تسييسها. فقد طرحت الحلقة الأولى طبيعة العلاقة بين لبنان وسوريا، وبدا فيها المضمون منحازاً لجهة التأكيد أنّ هذه العلاقة لم تكن يوماً قائمة على «حسن الجوار». اتهمت الفقرة سوريا بـ «استغلال تناقضات الوضع اللبناني واستعمال ورقة لبنان لتحسين المفاوضات مع إسرائيل»، إلى جانب اتهامها بـ «اغتيال عدد كبير من القيادات المناهضة لها». في الحلقة الثانية، خرج علينا بشير الجميل في خطاب يعود إلى عام 1980، ليتخذ منه الياس مجدداً مادّة للتعظيم من شأن حزب الكتائب وتبرير مشاركته في الحرب الأهلية في سياق «دفاعه عن الأرض». أضاءت الفقرة على المواجهة العسكرية التي حصلت آنذاك بين القوى الفلسطينية واليسارية من جهة، والقوى المسيحية اليمينية من جهة أخرى، وأعادت بث فيديوات تظهر اشتباكات بين الجيش ومنظمات فلسطينية، مع إغفال التطرّق إلى أيّ من المجازر التي ارتكبتها القوى اليمينية. اختتمت الفقرة بالإشارة إلى اتفاق «كامب ديفيد» بين مصر وكيان الاحتلال الذي وصفه الياس بـ «مفاوضات السلام» التي أتاحت لسوريا «تحويل لبنان إلى ساحة لتبادل الرسائل بين سوريا وإسرائيل». لا توفّر mtv فرصة إلا وتدخل فيها على خط الحرب الأهلية، لتفرض وجهة نظرها وتبرر دموية أطراف سياسية شاركت فيها وارتكبت المجازر، تحت عنوان «حماية لبنان»، لنصل في نهاية المطاف إلى مساحة إعلامية من تزوير للتاريخ وبثّ مزيد من التحريض تجاه سوريا.