على الرغم من أن التنجيم على الشاشات، أضحى تقليداً سنوياً، يولي أهمية للبصّارين و«أصحاب الإلهام»، ولتوقعاتهم للعام المقبل، على وقع عبارات التبخير التي يسوقها عادة محاوروهم، لإظهارهم بأنهم أصابوا في هذه التوقعات، الا أن هذه السنة اتخذت طابعاً مختلفاً، مع التغيرات السياسية الحاصلة في البلاد، وبالتالي تغيّر أجندات القنوات، وحركة إصطفافاتها المستجدة على هذه الساحة. ربما، للمرة الأولى، يدخل ثلاثة بصارين في توقيت واحد ليلة رأس السنة، ويتنافسون على جذب الجمهور. فقد ظهر كل من ميشال حايك (mtv)، وليلى عبد اللطيف (الجديد)، ومايك فغالي (otv)، في التوقيت عينه، بعد نشرات الأخبار، كأنهم في حلبة منافسة واحدة، يستشرسون هذه المرة، في لعبة الإقناع والسياسة والأجندات. الناظر في مضامين هذه الحلقات «الخاصة» يلحظ حتماً المضمون السياسي العالي الذي وصل على الشاشات الى حدّ التناقض، عدا إثارة الخوف والذعر من الأوضاع العامة في البلاد. فقد «بشرّتنا» ليلى عبد اللطيف مثلاً، بعودة سعد الحريري الى الواجهة، واستجلابه المساعدات للبلاد، كونه الرجل الوحيد «القادر على انتشال لبنان من أوضاعه الصعبة». إذ وصفته بـ «عرّاب المرحلة» في مقابل وصفها سنة جبران باسيل بـ «الحاسمة» وتوقعها انقاسامات حادة في تياره، وصولاً الى خسارته في الإنتخابات النيابية المقبلة، اضافة الى توقعات سوداوية أخرى تخص قصر بعبدا. على ضفة otv، كان الوضع مناقضاً تماماً. خرج مايك فغالي، ليتحدث عن استكمال ميشال عون مساره السياسي، لا عن انتهاء ولايته بعد أشهر قليلة. كما أكّد أنّ باسيل لن يخسر الإنتخابات، وأن نبيه بري لن يعود رئيساً للمجلس النيابي. حفلة التوقعات، انضم اليها أيضاً، ميشال حايك، الذي يطل سنوياً عبر mtv. هذه المرة، كان التقرير الإسترجاعي للعام الماضي، متركزاً بشكل أساسي على «حزب الله»، كما كان لحاكم «مصرف لبنان» رياض سلامة حصة، عندما توقع حايك بأنه «لن يبقى ملتزم الصمت». وارفقت المحطة هذا التوقع بحديث تلفزيوني لسلامة، وصفت فيه كلامه بأنه «خرج عن طوره، وهو الذي اشتهر بانضباطه» ضمن لعبة البروباغندا التي تنتهجها المحطة حيال سلامة. بالمختصر، كنا ليلة رأس السنة، مع مجموعة منجمين، استجمعت كل توقعاتهم الماضية، وحتى التي تعود الى سنوات خلت، كما حصل مع عبد اللطيف التي بثت «الجديد» توقعات أرشيفية لها، تعود أغلبها الى أكثر من سبع سنوات، ومحاولة مطابقتها مع ما حصل في العامين الماضيين، لتبيان أن «صاحبة الإلهام»، «أصابت»، مع تجاهل توقعاتها التي خابت سابقاً (وصول جان عبيد الى رئاسة الجمهورية مثلاً) وتلك التي وعدت اللبنانيين بها، كقولها بأن هذه «الصيفية ستكون احلى صيفية بلبنان» على البلاتوه عينه! هكذا، يستخدم هؤلاء البصارون في لعبة السياسة والإستقطاب والبروباغندا، بعدما كانت مهمتهم محصورة ببث الخوف حول المستقبل لدى الناس، وبالتالي اجتذاب الجمهور وضمان سماعه لهذه التوقعات.