إبان إنتفاضة «17 تشرين» (2019)، بدّلت بعض القنوات المحلية جلدها، وتماشت مع حركة الشارع والمتظاهرين، المطالبين بخلع العباءة الطائفية والحزبية. حركة سرعان ما انكشفت خلال أيام قليلة، وعادت هذه الشاشات لتخرج وجوهاً سياسية يقارعها الناس في الشارع. لم تصمد هذه القنوات في ادعاء خروجها من العلبة الطائفية والحزبية التي تدور في فلكها، لأنها ببساطة تعتاش منها. بعد هذا التاريخ، واجهاض هذه التظاهرات، خرجت محاولات لإعادة هذه الصيغة تلفزيونياً، والإنضمام الى قهر الناس، ونبذ الطبقة السياسية التي اوصلت البلاد الى أكبر أزمة اقتصادية ونقدية في تاريخها. ولعلّ أبرز هذه المحاولات، ادخال mtv، فقرات جديدة، على البرنامج الصباحي alive، الذي عادة ما يضم فقرات ترفيهية وتثقيفية إجتماعية، وإذ بالمحطة، تتعمد تسريب السياسة اليه، لاستقطاب الشريحة المجتمعية التي تتابع برامج الصباح. من ضمن هذه المساحات، إطلاق الشهر الماضي، فقرة leadership (القيادة)، في سبيل «توعية الناس» على القادة، أمثال «جان كيندي وبشير الجميل»، على حد قول زينة زيادة التي قدمت الحلقة الأولى وقتها من الفقرة. قد تبدو leadership، للوهلة الأولى مساحة تعريفية تثقيفية للمشاهد، الا أنّ المتابع لباقي الحلقات يلحظ حتماً الأجندة السياسية الواضحة للمحطة. فقد استضافت في الحلقة الثانية، مدير الأخبار والبرامج السياسية غياث يزبك الذي تحدث عن «الإعلام والقيادة»، ومرّر رسائل قناة «المر» حيال الانتخابات، وأيضاً تجاه «حزب الله» حين كرّر بأن تركيز المحطة سيكون على الإستحقاق الإنتخابي «النقيض للدويلة». وكشف بأن محطته «اضطرت لإعلاء منسوب السياسة حتى في البرامج العامة، لاستهداف «الأمهات اللواتي يملكن أصواتاً تستطيع اختيار القادة». في المقابلة أيضاً، شكا يزبك «طغيان المال السياسي والدويلة والميليشيات» الذي «يحرم أشخاصاً من لعب دور التأثير وتشكيل الرأي العام». كما نفض يده من الأحزاب، وركز هجومه على «حزب الله»، الذي «يغسل الأدمغة ويجلب المازوت والأدوية الى الناس». ولعل الحلقة الرابعة التي بثت الأسبوع الماضي، تعدّ من أخطر مضامين هذه الفقرة. إذ استضافت المتخصص في اللغة العربية أنطوان الخوري طوق، الذي تحدث عن «ذهنية اللاعنف». موضوع قفز على شاشة «المر» لإعطاء نموذج عن هذه الثقافة، ودعوة اللبنانيين الى نبذ العنف، الذي بطبيعة الحال يتمثل بفعل المقاومة. إذ لم يغيّب طوق هذا الأمر، وذكر بأن عدداً من اللبنانيين «يمجّد الموت والشهادة» ويقدس العنف، فيما برأيه وجب التركيز على مقارعة العنف في التجويع والتفقير. ولم يستثن في الأصل فعل المقاومة الذي يتمثل بسياسة الدفاع عن النفس، معتبراً الأمر مجرد «ذريعة» لإفتعال العنف. هكذا، ضمن مساحات ظاهرها ترفيهي، تمرر mtv، رسائل سياسية تصوب على المقاومة، وتحاول تفكيك أصل نشوئها في مقارعة الإحتلال الإسرائيلي، واعتبار أنّ هذا الفعل النضالي مندرج ضمن سياسات «العنف»!