عكّا | في الثاني من أيّار (مايو)، وصلت مجموعة مكوّنة من ثلاثة شبان إلى «مسرح الميدان» في حيفا، مطالبة بإلغاء عرض «وطن عَ وتر»، الذي كان مقرراً في اليوم التالي بذريعة «الإساءة إلى الشريعة والإسلام». في البيان الذي نشره المسرح عبر الإنترنت بعنوان «ثلّة من المتطرفين تُهدّد «مسرح الميدان» بسبب عرض «وطن عَ وتر»»، روى أنّ المطالبة لم تخلُ من التهديد، بعدما لمّحت المجموعة إلى أنّها لن تكون راضية أبداً في حال عرض العمل.
وقبل إصداره هذا البيان الصحافي، أخبر مسرح «الميدان» المجموعة المستنكرة التي وصلت إلى مقرّه بأنّ «العرض مستمر، وبأنّه يرحّب بكل من يريد التظاهر». بعدها، نشرت الإدارة بياناً يسرد حيثيات زيارة المجموعة، مشددةً على أنّ المسرح «متمسك بمبدأ حرية التعبير مهما كلف الثّمن، وهو غير قابل للنقاش». ودعا المسرح «جميع الفنّانين، والمثقفين، والصحافيين، والسياسيين والمؤسسات، وجميع أبناء شعبنا الحريصين على وجه مجتمعنا الحضاري، إلى حضور العرض (3 أيّار) لمنع أي محاولة لإلغائه».
البيان ولّد ضجة واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، وخصوصاً أنّ «وطن عَ وتر» يتعرّض لهذا الموقف للمرّة الثالثة، بعد عكا في نيسان (أبريل) الماضي، وقبلها بلدة باقة الغربية (منطقة المثلث) في شباط (فبراير) الماضي. إلغاء عرض عكّا سبقته موجة من التحريض ثم تظاهرة عند مدخل قاعة العرض. التظاهرة تخللها هجوم كلامي على الجمهور، بما في ذلك تكفيره وإغلاق المدخل الرئيسي للمسرح، ما أدى في النهاية إلى وقف العرض.
واجه العرض
سابقتين مشابهتين في عكّا وباقة الغربية، لكنّه هذه المرّة لم يُمنع

في حديث مع «إذاعة الشمس» أعقب الحادثة، قالت الأكاديمية والباحثة خولة أبو بكر، التي كانت حاضرة أثناء التظاهرة إنه «حين يشعر الناس بأنّ هناك سلوكيات تسيء إلى الدين، فمن حقهم التعبير عن رأيهم من خلال طرق متفق عليها في الثقافات، لكن لا يحق لأحد اللجوء إلى البلطجة أو منع الجمهور من ممارسة حقه». وأضافت أنّه في تلك الليلة «ساد جو من الرعب الفكري. نحن في منزلق لا نعلم إلى أين سيؤدي، وخصوصاً مع غياب ثقافة الحوار. المعارضون شعروا بانتصار صغير بغض النظر عن الفكر، من دون أن يدركوا خطورة الأساليب التي اتبعوها».
أما في حيفا، وبعد انتشار الخبر عن نيّة مجموعة التظاهر لإيقاف العرض، ودعوة مسرح «الميدان» إلى التظاهر الموازي، تحت عنوان «حرية التعبير فوق كل شيء»، فقد استجاب كثيرون سريعاً، إذ وصل العشرات إلى مدخل المسرح في حيفا بوم السبت الماضي، وقبل نصف ساعة من موعد عرض «وطن عَ وتر». وكان بين الحضور فنانون وكتّاب وسياسيون ونشطاء فلسطينيون، جاؤوا لإطلاق صرخة في وجه التكفير والظلامية، وتمسكاً بحرية التعبير كمبدأ للحياة، وكقاعدة أساسية في السير نحو التحرر. علماً بأنّ الدعوة إلى التظاهر وجّهت عبر صفحة فايسبوكية حملت الاسم نفسه وصورة ابن رشد. كما كتب المدير الفنّي لمسرح «الميدان» عامر حليحل: «صورة الحدث هي صورة ابن رشد، الذي نشعر اليوم بما شعر به في زمن غابر، ولا نريد أن يحرق التكفيريون كتبنا كما أحرقوا كتبه».
لكن في النهاية، لم يصل المطالبون بإلغاء العرض إلى المسرح. قد يكون السبب الضجة التي أثيرت والالتفاف حول مسرح «الميدان» والدفاع عن حرية التعبير. هكذا، استمر عرض «وطن عَ وتر» كما هو مقرر.
وبعد انتهاء التظاهرة والعرض، قال مدير مسرح «الميدان» عدنان طرابشة عبر صفحته الفايسبوكية إنّه «بعد تجربة اليوم، أيقنت أنّ الإيمان هو السد المنيع الذِي يتصدّى للمُهرطقين التكفيريين، وأنّ الخنوع والانهزام غذاء للأعشاب الضّارة التي سرعان ما تنمو وتكبر وتَأتي على الزّرع وتقتله». وأضاف الفنان الفلسطيني إنه «حين يتصادم عالم الظّلام وعالم النُور، فإنّ شظايا النّور تمزّق الظّلمة. واليوم أثبتم لمن ساوره الشَك أَنّ صبر من يؤمن بالنّور ينفد حين يتجاوزون حدود حريّة التعبير».
على خط مواز، علت أصوات فلسطينية عدّة في الأراضي المحتلة عام 1948 لتأكيد أنّ القضية لا تنحصر في عرض «وطن عَ وتر»، بل هي قضية حريّات والحق في ممارستها. وأشار هؤلاء إلى أنّ المعركة ليست ضد المطالبة بإلغاء عرض واحد فقط، بل هي معركة ضد فرض فكر ظلامي من دون وجود أي مساحة للحوار على مكان لم يتوقف يوماً عن إنتاج الفن والثقافة. وهو إنتاج يثبت أنّ الشعب الفلسطيني نابض وحيّ في وجه كل أشكال الاستعمار والغزاة الذين مرّوا عليه، وأنّ الثقافة فيه بأشكالها كافة ما زالت أداة مقاومة في وجه الاحتلال الصهيوني، وأنّها لن تتنازل عن دورها في احتضان الحرية، التي تمثل تعبيراً صادقاً حقيقياً عن حاضر يدعي فيه البعض أنّهم وحدهم من يملكون الحقيقة.




هدية إلى عمر سعد

كان طاقم مسرحية «وطن عَ وتر» قد أهدى عرض مدينة حيفا الأخير إلى عمر زهر الدين سعد ( 17 عاماً)، الشاب الفلسطيني القابع في السجن العسكري التابع لقوات الاحتلال الإسرائيلي منذ كانون الأول (ديسمبر) 2013، بسبب رفضه الخدمة في جيش العدو المفروضة على أبناء الطائفة الدرزية في فلسطين المحتلة. وقد نُقل الأخير قبل أيّام إلى «مستشفى بني تسيون» (روتشيلد) في المدينة بعد تدهور حالته الصحية إثر إصابته بالتهاب حاد في الكبد بسبب ظروف السجن العسكري السيئة والإهمال الطبّي. يذكر أن زهر الدين ذهب إلى المعتقل وهو يلبس سترة كُتب عليها «برافر لن يمر»، في إشارة إلى رفض مخطط برافر العنصري، فضلاً عن بروز حراك شبابي فلسطيني أخيراً رافض لقانون الخدمة الإلزامية المفروض على الدروز (الأخبار 30/12/2013)