يأتي مسلسل «الفتوّة» هذا العام كواحدٍ من أكثر مسلسلات رمضان متابعة و«حلاوةً». قد تستثير كلمة «حلاوة» السؤال. يقدّم المسلسل وجبة درامية خفيفة على القلب ونوستالجية بعض الشيء. يذكّر «الفتوة» كثيراً بأفلام ستينيات القرن الماضي، حيث الفتوة مركز القوّة والقيادة في حيٍ شعبي يسكنه فقراءٌ «يعيشون على باب الله». لا قيمة للدولة أو سلطة لها ههنا، كذلك الدين دوره جانبي/هامشي، فيما الصراعات هي بين رجالٍ يعيشون بقوة «ذراعهم» و«نبّوتهم» (وهي العصا التي يستخدمها الفتوّة في معاركه ورمز لقوته، حتى إن كثيراً منهم كانوا يدعونها بأسماء، كما السيوف بالنسبة للعصور التي سبقتهم).لربما لم يعشق أحدٌ أدوار «الفتوّة» بمقدار «وحش الشاشة» المصرية فريد شوقي. ومن نافل القول أن نقول بأن أحداً لم يؤدِ الشخصية بذات الحرفة التي أداها الراحل. أدى شوقي الدور في أكثر من فيلم :فتوات الحسينية (1954)، الفتوة (1957)، فتوة الجبل (1980)، فتوات بولاق (1981)، فتوة الناس الغلابة (1984). لذلك فإنه من الطبيعي مقارنة أداء ياسر جلال في مسلسله «الفتوّة» بالكبير فريد شوقي، أو حتى على الأقل قياس الأمر.
يبدو جلال متأثراً كثيراً بنجوم ذلك العصر، فبعد سنواتٍ طوالٍ قضاها تحت «ظل» تشبيهه برشدي أباظة، وحمله لقب «رشدي أباظة الجديد»، يستحضر هو شخصياً ظل فريد شوقي. يبدو جلال متمكناً من الشخصية إلى حدٍ كبير. ذو جسدٍ قوي، مدرّب بعضلات، يحمل العصا/ النبوت بحرفة ويستخدمها بتقنية، وفوق كل هذا الشخصية التي يؤديها كتبها بحنكة كبيرة مؤلف المسلسل هاني سرحان. إذ نشاهده مثلاً يتلعثم حينما يلتقي بـ «ليل» الشخصية التي تؤديها بطلة العمل مي عمر. هو لا يجيد الكلام مع الفتيات على عادة رجال تلك المرحلة الزمنية. ومن شاهد أفلام «الفتوات» في السابق يعرف هذه المعلومة جيداً. إذ إن «الفتونة» مرتبطة إلى حدٍ ما برجولة، لا يخالط فيها «الفتوة» إلا الرجال، مما يجعله «لا يجيد مخاطبة الفتيات كثيراً؛ ولربما حتى أبداً، فضلاً عن أنَّ الحياء هو سمة الرجل لا المرأة فحسب».
شخصية حسن التي لربما أخذ الكاتب اسمها من «الشاطر حسن» الشخصية الأثيرة في قصص الحكواتيين؛ هو إبن فتوة سابق في المنطقة التي يسكن بها؛ والده الذي قتل في ظروفٍ غامضة، أورثه عباءةً ثقيلة «فتوة الناس الغلابة». وعلى الرغم من أنَّ حسن الذي يعمل «مبيضاً للنحاس» ليس «فتوة»، لكنه يجد نفسه مضطراً لرفع الظلم عن الناس من خلال خلق شخصية «الملثم» الذي يقوم بالانتقام للناس وإعادة حقوقهم له تحت جنح الظلام. إنها شخصية «زورو» أو «باتمان» الذي يخرج في الظلام ولا أحد يعرف عنه شيئاً سوى «لثامه» وحبه «للخير» ولمساعدة من لا يستطيعون حماية/ مساعدة أنفسهم. نقاط القوة في المسلسل لا تتوقف عند ياسر جلال، إذ يحضر إلى المسلسل اكتشاف هذا العام أحمد صلاح حسني والذي يؤدي دور عزمي، وهو نجل «فتوة» المنطقة. حسني القادم من عالم كرة القدم والتلحين (احترف كرة القدم في السابق في نادي شتوتغارت الألماني، ولحن أغانيات لنجوم أمثال محمد حماقي وعمرو دياب)؛ يبرع هذه المرّة في تقديم دور الشرير. لكنه شرٌ مختلف إنها شخصية Anti Hero قلما نراها في المسلسلات المصرية. إنه يبدو شريراً للوهلة الأولى، لكنه في الوقت عينه يمتلك تلك الكاريزما التي تجعلنا معجبين به: الإيفيه الخاص به: «الله» (ينطقها بطريقة خاصة) سيضاف حتماً إلى الإيفهات الشهيرة في السينما المصرية؛ علاقته بحسن واصراره على أن يحتفظ بصداقته ودفاعه عنه في أكثر من مكان حتى، فضلاً عن أنه يختلف عن حسن بحبه للحياة بكل ما فيها أكثر من نظيره حسن. يمكن القول إذاً بأن حسني قد حجز مكاناً له بين نجوم رمضان المقبل، لا كبطلٍ ثانٍ، بل كنجمٍ أول في أعمالٍ قادمة. بدورها مي عمر تكمل ما دأبت عليه في الأعوام السابقة مذ ظهرت في العام 2013 في مسلسل «حكاية حياة». وإن كان ظهورها كنجمة في العام 2016 مع محمد رمضان في مسلسل «الأسطورة» كرسها كممثلة من نوع خاص، تقدّم عمر ما تحتاجه الدراما المصرية حالياً «رقة خاصة في الأداء مع تلك اللمسة من القوة». لا يمكن بالتأكيد مقارنتها بفاتن حمامة أو سعاد حسني، لكنها بالتأكيد تمتلك كاريزما خاصة بها تجعلها متمايزة عن مجايلاتها. نقطة أخرى تحتسب للمسلسل أدائياً، وجود نجلاء بدر فيه. بدر القادمة من مجال تقديم البرامج، تبرز في دور الراقصة جميلة؛ فتعطيه حقّه ولا تبدو أنّها تؤدي أبداً. مشكلة بدر الوحيدة أنها تتأرجح في أدائها، فهنا تقدم أداء مرتفعاً، فيما ينخفض أداؤها في بعض الأدوار. في العمل كذلك تبرز بعض الأسماء التي تستحق الإشادة بأدائها مثل أحمد خالد صالح، محمود حافظ وهنادي مهنى.
إخراجياً، يمكن الحديث كثيراً عن تفاصيل مهمة للغاية، إذ يبدو جهد المخرج حسين المنباوي كبيراً، فديكور العمل/ المكان إستغرق بناؤه خصيصاً لهذا المسلسل حوالي ثلاثة أشهر (في مدينة الإنتاج الإعلامي) كي يعطي الإيحاء الكامل بأن العمل في ذلك العصر، لا أخطاء تقنية واضحة. هناك مشاهد أكشن في المسلسل تمت تأديتها بإتقان، وهذا كلّه يحسب للمخرج. الموسيقى التصويرة تبدو جميلة للغاية، خصوصاً مع مقدمة العمل الموسيقية «التتر» التي أداها الفنان أحمد شيبة (ألحان حسين محمود وكتابة رضا المصري).
باختصار، هو ربما من أفضل مسلسلات رمضان هذا العام، فيه قصة تمتلك خصوصيتها: البطل الذي يحامي عن الفقراء تحت ستار الظلام، النوستالجيا للحارة الشعبية المصرية القديمة، البطلة التي تحتاج للبطل كي ينقذها؛ وبالتأكيد «الفتونة/الجدعنة» ذات «الإيفيهات/الحكم» المرتبطة بالمروءة والشجاعة وسواها. كل هذا يضاف إلى أداء جيد من غالبية ممثلي العمل.

*«الفتوة»: «الحياة» (1:05) ــ osn (الساعة 23:30) ــ «الحياة مسلسلات» (19:30)