مثلث الدين والسياسة والجنس في «عندما تشيخ الذئاب»
يتنافس هذا العمل مع آخر يقدّم خلطة تعتبر بمثابة مثّلث خطير يقارب الدين والسياسة والجنس. إنّه «عندما تشيخ الذئاب» (عن رواية بالاسم نفسه للكاتب الفلسطيني الراحل إبراهيم ناجي، سيناريو وحوار حازم سليمان، وإخراج عامر فهد، قنوات «أبو ظبي»). تلاحق الرواية مصائر شخصيات طحنها الفقر فدعست على قيمها، وفتحت أفواهها على مزاريب ذهب، لكن بطرق غير مشروعة. هكذا، كانت المادة مساحة خام لإنجاز معادل سوري يمتلك مفردات البيئة المحلية ويتواءم مع تاريخها ومعطياته السياسية، ضمن حبكة تلفزيونية تدور أحداثها في تسعينيات القرن الماضي. في إحدى الحارات الفقيرة التي نتعرف فيها إلى نماذج إنسانية منوّعة تدور مصائرها في حارة شعبية تبدو للوهلة الأولى عادية، نكتشف أن هذا الحي كان يوماً ما مسرحاً لعدد من الأحداث والأسرار المخفية التي حكمت مصير سكّانها وقادت كل واحد إلى خاتمة مختلفة. من الشيخ عبد الجليل المنافق (سلّوم حدّاد) الذي يدير جمعيات خيرية يسطو على أموالها ويبحث عن نساء أرامل ليصرف عليهن قبل أن يشبع رغباته المريضة، إلى جبران اليساري (عابد فهد) الذي يجابه الشيخ ويصطدم معه، لكن في لحظة مفصلية يتحّول إلى صورة مشابهة له عندما يرمي تاريخه النضالي، ويتحّول إلى منشار حقيقي. وبينهما يقع «عزمي وجيه» (أنس طيارة) ابن الجليلة (سمر سامي)، شاب ورث عن أمّه سعة الثقافة وانتمى إليها كما لا يفعل مع شيء آخر. خسر وظيفته في الخارجية ومستقلبه الواعد في المحاماة بسبب قرابته من «جبران»، فإذا به يطوّع ذكاءه، بعد انكشاف شخصيات دينية وأخرى يسارية أمامه، ليؤسّس جماعة إسلامية بذريعة مال وفير ورثه عن أمّه ويصبح داعية خطيراً أجبرته السلطة ليكون عبئاً عليها!
الحماسة ستبلغ منتهاها ونحن نشاهد «مسافة أمان» (كتابة إيمان السعيد، وإخراج الليث حجو، وإنتاج «إيمار الشام» ــ «لنا»، وlbci، وldc)، خصوصاً أنّ العمل شهد في كواليسه مشاكل كبيرة داراها صنّاعه عن عيون الإعلام في ما يخصّ النص الذي لم توافق كاتبته على تعديلات مخرجه. كما أنّها بحسب بعض المصادر تأخرت في تسليم الحلقات، ما اضطر حجو للاستعانة بكاتب شاب ليكمل له الحلقات. علماً بأنّ الحكاية تولّف خلطة مشوّقة تصل إلى نهايات صادمة! تفتتح مشاهدها برصد الطبيبة «سلام» (سلافة معمار) مرتبكة ملهوفة ومسيّجة بالقلق والرعب، بعدما تلقّت اتصالاً من جماعة إرهابية اختطفت زوجها (مأمون الفرخ) ولم تطلب فدية مالية، وإنّما أعطتها أمراً بوضع حقيبة متفجرّات في مركز طبي. سريعاً، تنتصر «سلام» لضميرها الإنساني وتضحي بزوجها مقابل ألا ترتكب جريمة بشعة يذهب ضحيّتها العشرات من الأبرياء. تقتل العصابة الرجل، لتأخذ درب التشعّب وصولاً إلى «سراب» (كاريس بشّار)، سيدة في الأربعينيات تجد نفسها وحيدة بعدما هجرها زوجها الثري وترك مسؤوليات مجابهة الحرب على كاهلها. تكتشف أن ابنتها تدرس الفن في الوقت الذي كان يفترض أن تدرس الحقوق. وفي غمرة الحياة، تنتقل المرأة من الفيلّا الخاصة بها في «يعفور» (ريف العاصمة) إلى دمشق لتقع في غرام «حسام» (عبد المنعم عمايري)، زوج صديقتها الجديدة (نادين تحسين بيك) وهي فنانة تشكيلية تحمل جانباً مضيئاً، خصوصاً لناحية صداقتها مع الشخصية التي يلعبها قيس الشيخ نجيب... فيما نلاحق خصوصية العلاقة بين الأب وابنته في ثنائية يشكّل قوامها موسيقي عتيق (جرجس جبارة) وابنة انتهازية (حلا رجب) تطبع صدمة قاسية على جبين والدها الذي رعاها برموش عينيه!
لعلّ الاكتشاف الأبرز في هذا العمل سيكون في شخصية (كنان) التي يؤدّيها طفل سوري اسمه بلال الحموي باحترافية في تجربة هي الأولى بالنسبة له، وهو في الخامسة عشر من عمره. يعيش في سيّارة «فان» وحيداً بعد مقتل جميع أهله! لكنّ مسافة أمانه مع الحياة تدعوه لإقناع كلّ محيطه بأنّه شخص طبيعي يعيش يوميات اعتيادية مع عائلته في بيت دافئ!