ماذا لو كنت في الشارع واستوقفك مذيع، وطرح عليك سؤالاً لم تفهمه للوهلة الأولى، ولم تحضرك إجابته، وبعدما تركك ومضى، علق على ذلك بالقول: «طشم»، أي غبي.سيبدو الأمر عادياً، لكنه لن يكون كذلك حين ترى مذيعاً على شاشة تلفزيون بلادك الرسمية، يصفك بـ«الطشم»، حتماً ستشعر بالحرج على الأقل حين يراك معارفك وأقاربك، وتتمنى أن تلتقي بالمذيع مرة أخرى، لتريه «الطشمنة» على أصولها.
هذا الموقف لم يظهر في مقطع فيديو على فايسبوك، أو يوتيوب، إنما ظهر على شاشة الفضائية السورية في برنامج «ما تواخذونا». حين كان المذيع يسأل مواطنين في الشارع عن رأيهم بعمليات التجميل، ويصف أطباء أجروا عمليات تجميل لمواطنين بالـ«الحمير».
«ما تواخذونا»، برنامج انطلق قبل أشهر على طريقة «ستاند أب» التي راجت عبر السوشيال ميديا، وانتقلت لاحقاً إلى شاشات التلفزيون، برنامج كوميدي ناقد ساخر، يقدمه ماروت صوفي وعمار أبو نصر.
انتقادات كثيرة طالت البرنامج الذي يركز في نقده على مسؤولين في دول عربية وأجنبية، ويسخر من المواطن السوري، فالبرنامج ينتقي قضايا بعيدة عن سورية ومعاناة السوريين، ليعلق عليها، كأنه اعتمد مبدأ الفنان الراحل حسني البورظان، «إذا أردنا أن نعرف ماذا في إيطاليا، علينا أن نعرف ماذا في البرازيل»، في متابعته لـ«خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وحقوق الإنسان في فرنسا، والصراع السعودي الإماراتي القطري، والقمة الاقتصادية وتشكيل الحكومة في لبنان، ويُركز على متابعة أخبار ولي العهد السعودي محمد بن سلمان»، وغيرها من المواضيع التي تكون قد أشبعت سخرية من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، وبرامج ساخرة على قنوات أخرى، ولا تعني المواطن السوري على الأقل في الوقت الراهن الذي يعاني فيه داخلياً، لكن الفضائية السورية لها وجهة نظر أخرى، وعبر برنامجها «ثقيل الظل» كما يصفه بعضهم، لا تجد حرجاً في اجترار المواضيع، في محاولة واضحة لإلهاء الناس عن معاناتهم اليومية في ظل الظروف العيشية السيئة التي يعيشونها.
في الوقت الذي سخر السوريون فيه من فيديو ظهر فيه البرلماني محمد قبنض تحت قبة مجلس الشعب السوري، مادحاً الحكومة السورية ومثنياً على جهودها في تأمين احتياجات المواطنين، سخر البرنامج من عضو مجلس النواب الأردني الذي ظهر في فيديو مسرب من اجتماع للبرلمان الأردني، تطور فيه النقاش إلى تهجم النواب على بعضهم. والأمثلة على حالة الفصام الذي يقدمها البرنامج كثيرة، لا مجال لحصرها. وتحتاج إلى مراجعة من القائمين عليه، لتطوير محتواه.
يبدو واضحاً من خلال حلقات البرنامج المعروضة حتى الآن أن التغييرات الجذرية في الإعلام السوري والتي رُوّج لها رسمياً، تمحورت حول طرح أسئلة على المواطنين والتعليق عليها بسخرية، واستخدام المواطن «الطفران» في الشارع كمادة للتندر، وإضحاك المشاهدين عليه. وهذا ما عمد إليه أكثر من برنامج سوري، في تجاهل واضح ومقصود لمعاناة السوريين في ظل الظروف الصعبة التي يعيشونها، ويسأل المذيع في معرض حديثه عن عمليات التجميل: «وين الممتعضين ياللي نشوفهم ع الفيسبوك؟»، كأن سبب امتعاض السوريين على الفيسبوك هو عمليات التجميل!
يرى متابعون أن أي نقد ساخر عبر الدراما أو البرامج التلفزيونية، ليس سوى محاولة لتنفيس الاحتقان الداخلي نتيجة الظروف المعيشية الصعبة التي يمرون بها، إلا أن برنامج «ما تواخذونا» لم يرتق حتى إلى هذه المرتبة، ويعلق بعضهم بسخرية: «ربما يكون هدف الإعلام السوري تنفيس احتقان المواطن العربي، انطلاقاً من حرصه على وحدة الصف العربي».