تظاهرة أمس، التي بدأت من مواقع التواصل الإجتماعي، وانتهت في الشارع، وتفرّعت عشوائياً بين زواريب وأزقة، وشوارع بيروتية، قدم فيها الإعلام اللبناني أنموذجاً مكروراً، عما كان يحصل آنفاً. تخندق واضح، وفرض أجندات، تمظهر في قرار التغطية الحيّة من عدمها. امتنعت قنوات nbn، «المنار»، «المستقبل»، otv، عن المواكبة الحيّة لتظاهرة تنّدد بالأوضاع الإقتصادية الرديئة. بقيت «الجديد» في الميدان، مع تغطيات متفرقة لقناتيّ lbci، وmtv. أمام كمّ هائل من الأوجاع التي خرجت على الشاشة بشكل أوضح، تحولت الشاشة الى ما يشبه المتنفس، الذي راح يفرغ فيه الناس همومهم وصرخاتهم بوجه الظلم وسوء العيش. حسناً، واكبت الكاميرات، بل تغلغلت بين المتظاهرين، وغلبت صيغة المحقق صفة المراسل الصحافي. انتظرت الشاشات لحظة شحن معين بين قوى الأمن والمتظاهرين، علّها ترفع جرعة التشويق لدى المتابع. «الجديد»، التي بقيت كاميرتها مرافقة للجمهور، قدمت تغطية غريبة، لجهة شدة المتابعة، حتى بعيد إنفضاض المتظاهرين. إذ شاهدنا راشيل كرم، مع حفنة من المتظاهرين، تسير معهم جنباً الى جنب، تجاه شارع الحمراء. وبعيداً عن أسئلتها المتكررة، ومحاكمتها للناس الذين انتخبوا الطبقة السياسية، راحت تدلي بموقفها السياسي، وتتوجه الى «حزب الله» مرة، بضرورة أن ينظر الى التظاهرة، وتؤكد أن الأخيرة لا تستهدف رموز الحزب. تغطية «الجديد»، التي لم تتوقف في بيروت، راحت تعطي ساعات إضافية لتحرك آخر في الجنوب (النبطية)، وتفتح الهواء لشهادات وأناس بشكل عشوائي. كان يمكن تحديد وقت هذه التغطية (تولتها حليمة طبيعة)، وعدم الركون الى المبالغة، في متابعة تحرك محق، لكن لا يستحق كل هذا الحشد. وإذ ما جمعنا المشهدين، تغطيتي بيروت والجنوب، نكون أمام سلسلة أسئلة، تتعلق، بالنفخ في الحدث، وحتى إختراعه. بالغت المحطة كثيراً، عن عمد، في فتح هوائها لساعات طويلة أمس، لعرض كلام مكرر على الشاشات، معروف أنه لن يلقى صدى، ولن تتابع حتى المنصات التلفزيونية، هذه الأوجاع! ننتقل بعدها الى الآن درغام، مراسل mtv، الذي اختير بشكل خاطىء للتغطية. الرجل الذي يجهل أسماء مناطق بيروت وجغرافيتها (بدا هذا الأمر واضحاً) جهد في تقديم تغطية معقولة، لكن إمكاناته لم تسمح له، رغم تعاطفه مع المتظاهرين. درغام، بدا ضعيفاً، في الإمساك بلغة الشارع، متأثراً بالأجواء الغربية، عبر إطلاق صفة «ديمقراطية» على التحرك، وإدانته لأعمال الشغب! إبان هذه التغطية، التي على عشوائية تحركها، وفوضى التغطية المباشرة، برزت مشاهد عنفية، من خلال التعدي على أهل الصحافة. إذ أصيب المراسل المصوران حسن شعبان (دايلي ستار) بعد «إستفراد» قوى الأمن به، في منطقة «رأس النبع» (كانت خالية من تواجد الإعلام)، وريشارد سمور (صحيفة الجمهورية)، وسط بيان هزيل ل«نقابة المصورين»، الى جانب تعدي هؤلاء على طاقم «الجديد» في منطقة «سبيرز» (الصنائع)، إبان متابعة مسار التظاهرة المتوجهة الى الحمراء، وتحطيم كاميرا المحطة!.