«السماء مرآة كبيرة/ وما نحن إلا حبيبات من شعاع كبير تعكسه المرايا أو أغصان تفرعت من شجرة مغلوبة/ جذعها في السماء وأغصانها على الأرض تنفق وقتنا احتراقاً/ نردم برماده الفراغ الكبير بين وبين كنغم تائه يستعير صوتاً/ في انتظار العودة إلى الشعاع الأب» تصلح هذه القصيدة مدخلاً لفهم زهرة مروة (1983) التي نطل بشعرها على العالم للمرة الأولى. وربما كانت هذه القصيدة الصغيرة تنبئ بولادة شاعرة من نوع آخر. شاعرة ليست متشائمة، لكنها تفهم الحياة على حقيقتها. حياة هي مزيج من مُرٍّ وحلو، من حزن وفرح، من تشاؤم وتفاؤل. في باكورتها الشعرية «جنة جاهزة» («الغاوون»/ تصميم الغلاف إميل منعم)، تبدو ميزة قصيدة مروة هي اقترابها بعمق من الذات مع حزن خفيف وراء السطور، فالحزن صفة شعرية قبل كل شيء: «سأغادر عند الفجر/ دون أن يسمع خطاي أحد/ سأغادر مرتدية مبذلاً فضفاضاً/ يحتفل بعريي/ أكثر مما كانت تحتفل به يداك/ سأغادر كناسكة بهدوء ورصانة/ وقد هيأت لي رصانتي مواعيد جديدة/ يمحو نسيم الفجر بصماتك عن جسدي/ وينتظرني/ عند آخر الشارع/ رجل آخر/ فأسرع الخطى/ كي لا يتنبه مبذلي/ إلى خيانة تعود/ فتولد في دمي/ سأغادر مع رجل/ هواه وهواك جزيرتان متباعدتان/ أستوطن جزيرته فلا أعود أنتبه».

كل شي عند زهرة مروة صور متغيرة في سلسلة أكبر منها، أو حلقات عديدة في ذاتها، أجزاء من مجموع شامل تستوعبها كل الأسئلة والأجوبة، وليس فقط رد فعل. وكل شعور من مشاعرها قد يبدو للآخرين وجهة نظر قابلة للتأويل: «أفتح الخزانة وأجد أفكاراً كبيرة/ لا ألبسها كلها/ أرتب بعضها/ أؤجل بعضها الآخر إلى حفلات تستحق»، أو «ما من حجاب في الخزانة يفصل بيني وبين أفكاري/ لكن ثمة رفات لأفكار شهيدة». لنرَ كيف تنظر زهرة مروة إلى الرجل، بل كيف تشبّهه بالصمت: «الصمت رجل صغير، أسمر قليلاً/ يبني بيوته من هواء/ يدّخر مؤونته إلى الخفاء/ الصمت رجل حمل عدته ومشى/ بعربة الظل السريعة».
صور مماثلة مقتلعة بعين بصرية تجيد التصوير، تشكّل عُدة هذا الكتاب ومنتهاه. عدد صفحاته لا تتجاوز السبعين، لكنّه معبّأ بأفكار تجيد ترتيبها زهرة مروة، وتختار بدقة الكلمات وترسم الصورة بعناء. فالشعر الجيد هو الذي يأخذ من الشاعر جهداً كبيراً. والكلمة التي رسمها، يرسمها عشرات المرات، قبل أن تأخذ صيغتها النهائية.