التقيت الإعلامي شادي معلوف في مكتب جورج غرة، مدير تحرير «صوت كل لبنان». وقبل مغادرتي، سألني إذا كنت أريد زيارة فؤاد شرف الدين في مستشفى مجاور. وافقت من دون تردّد. اتصل شادي بجمانة، ابنة الكابتن فؤاد لاستئذانها، فردت بصوت عالٍ: أهلاً وسهلاً. ذهبنا سيراً على الأقدام، صعدنا إلى الطابق ودخلنا غرفة البطل، بطل الشاشة الكبيرة، بطل السينما اللبنانية الذي لم تنصفه الحياة في العقد الثامن من حياته، هو الذي اشتهر بإخراج وتمثيل أفلام الأكشن في فترة الثمانينيات والسبعينيات من القرن الماضي.المرض ليس معيباً، فكلنا معرضون لأن نواجه سقماً، نواجه الأمراض بما يُتاح لنا من طبّ، وصلاة ومعنويات. لكن أن يُهان الفنان في شيخوخته، هذا الإنسان الحسّاس الذي حمل أحاسيسه على كف يده، الذي عرّض نفسه طوال حياته للنقد وقلّة المردود، الذي أتى بالحلم والبسمة في أصعب الأيام، ها هو يستعين بوزارة الصحة وبالنقابة وببعض الأصدقاء... وإلا، ليتني لم أكتب هذه الكلمات... فالموت أهون من المذلّة. كل من أسهم في المساعدة مشكور، في بلد باتت كل الإهانات مشرعة، وهنا أسمح لنفسي ذكر أماليا أبي صالح، خضر علاء الدين، فادي إبراهيم، رينيه ديك، كمال الحلو... فلولا المساعدات الفردية ودعم الأصدقاء، لأصابهم الذل أكثر في نهاية عمرهم، هم الذين خلّدت الشاشة صورتهم، وصوتهم لا زال يدوّي بين حيطان المسارح. صحيح أنّ كثيرين من الناس يتعرّضون لإهانات يومية على أبواب المستشفيات، صحيح أن الثورة بدل أن تحسّن، أسهمت في تدهور الأوضاع بسبب أجنداتها، وكل المرضى الذين يعانون من أمراض مزمنة وجدوا أنفسهم داخل نفق مظلم، يبحثون عن بصيص نور، لكن من دون جدوى. تتلاعب الأحزاب برمي المسؤوليات على بعضها وبقايا الدولة المبتورة تتهاوى، والجمعيات غير الحكومية تتلاعب بأموال مبيضة من سفارات الغرب من دون محاسبة على فساد المستفيدين، فيما فؤاد شرف الدين لا يزال قابعاً في غرفةٍ صغيرة، ينتظر... لا يعرف ماذا ينتظر، لكنه ينتظر.
سألت نفسي: هل كان أسهل لو لم أره وتركت في مخيّلتي صورة جميلة عن «الكابتن»، صورة بطل من طفولتي، ذاك البطل الذي لا يهاب الموت الذي يخبئ حناناً كبيراً في عينيه الزرقاوين.
لكن الكابتن لم يفقد وهرته رغم الجرح الكبير، فزيارة زملائه قد تكفي أحياناً وكلمة «سلامتك يا كابتن» تجلب البسمة. كابتن يا كابتن، قم وامشِ.