قبل أشهر، أطلّت المغنية الكندية سيلين ديون (1968) في فيديو كان وقعه بمثابة صاعقة على كل متابعيها ومحبيها. إذ كشفت عن مرض عصبي نادر شُخِّصت به ودفعها إلى إلغاء حفلاتها المرتقبة. وفي ظلّ التطور المستمر لوضعها الصحي، هناك خوف من ألا تتمكن من الأداء مجدداً وتضطر إلى الاعتزال المبكر. لا تُجيد سيلين ديون إلا الغناء. هذا ما أقّرت به مراراً، ورددته أخيراً في الشريط الذي بدت فيه متأثرة جداً في ما قد تكون اطلالتها المعهودة الأخيرة بعدما تدهورت حالتها الصحية في الأسابيع السابقة. فالغناء هو ما فعلته طوال حياتها، منذ بداياتها في ثمانينيات القرن المنصرم، وهذا ما تبرع فيه ولا يمكنها تخيّل حياتها من دونه. لسوء حظها أنّ هذا المرض الذي يطلق عليه اسم «متلازمة الشخص المتيبّس»، لا يصيب إلا شخصاً بين مليون في العالم وقد اختار صاحبة أشهر الأصوات وأكثرها شعبية في العالم ليصعّب عليها التحرك جسدياً واستخدام أوتارها الصوتية. في الواقع، منذ وفاة زوجها رينيه أنجليل (1942 ـــ 2016) وشقيقها بفارق يومين، بدأت صحة المغنية تضعف وتأثّرت بالتالي قدرتها على الغناء، حتى لوحظ الفرق في إطلالاتها الغنائية وفي جودة صوتها. لكنّ أطباءها لطالما كانوا مطمئنين إلى استعادة المغنية عافيتها وقدرتها على التحكم بصوتها بالرغم مما عانته من إصابات في سمعها.


في السنوات الأخيرة، كانت حفلاتها في لاس فيغاس من أشهر العروض هناك وأكثرها ترقباً، مع أنّ المشككين بنجاحها في «مدينة الخطيئة» كانوا كثراً قبل أن تُثبت نفسها. وقد حرص زوجها الراحل، قبل وفاته، على استمرارها في الأداء والظهور هناك لما كان لذلك من أهمية في حياتها المهنية. لكنّ رحيله كان قاسياً على المغنية التي عبّرت مراراً عن ذلك واعتبرت أنها فقدت ليس فقط زوجها وأب أولادها الثلاثة ومدير أعمالها، بل أيضاً صديقها المفضل وشريكها في الحياة. منذ أن كانت في الـ12 من العمر لم تعرف إلا هو رجلاً في حياتها. بعد سنوات، أفصحت عن علاقتهما على الهواء في أحد البرامج التلفزيونية عام 1993 وتزوجا بعد مرو عام. كان أول من آمن بموهبتها ومستقبلها في حين كانت بالكاد تبلغ الـ13 عاماً ولا تزال فتاة خجولة، لم تتلق أي دروس في الغناء.
ديون المراهقة عشقت الغناء وكانت تؤدي برفقة أشقائها وشقيقاتها الـ13 في مطعم العائلة في مدينة شارلمان الكيبيكية في كندا حيث ولدت وترعرعت. كانت اطلالتها التلفزيونية الأولى لافتة، فلم يكن مقدّم البرامج ميشال جاسمان معتاداً على استضافة فنانين مجهولين في ذلك الوقت. نحن في حزيران (يونيو) من عام 1981، حين قام جاسمان باستثناء مستقبلاً ديون في برنامجه، بعد إصرار أنجليل الذي أذهله صوتها لدى سماعه شريطاً لها أرسلته أمها. أدّت يومها أغنية بعنوان Ce n’était qu’un rêve، من تأليف والدتها أمام نحو مليوني مشاهد. وكانت لحظة قوية اكتشف فيها المستمعون صوتاً شاباً سيصبح من الأشهر في غضون سنوات في عالم موسيقى البوب الفرنكوفونية خصوصاً، والعالمية عموماً. من المحطات البارزة أيضاً في بدايات مشوارها الفني أداؤها في مونتريال أمام البابا يوحنا بولس الثاني وحشد من 60 ألف شخص أغنية «لا كولومب» في حين كانت لا تزال مراهقة في الـ16 من العمر. في عام 1988، فازت في مسابقة «يوروفيجن» بفضل أغنية Ne partez pas sans moi التي جعلت شهرتها تطير إلى العالمية.
تتمتّع بسهولة لافتة في الانتقال إلى أعلى النوتات من دون بذل جهود جبارة

أول ثمانية ألبومات كانت باللغة الفرنسية ولم تخض تجربة إطلاق ألبوم باللغة الإنكليزية قبل ألبومها التاسع الذي حمل عنوان «يونيسون» (1990) الذي ضمّ أغنية Where Does My Heart Beat Now. كانت تلك الخطوة الأولى التي فتحت لها أبواباً وآفاقاً جديدة بعدما قررت الذهاب أبعد من حدود الأغنية الفرنكوفونية وأحدثت في الوقت عينه تبدلاً في طريقة لبسها وأسلوبها في الأزياء. خلال السنوات الأخيرة، رأينا ديون تتحوّل إلى أيقونة موضة بعد اعتمادها على كبار المصممين لانتقاء إطلالاتها التي اتّسمت بالحداثة وواكبت عصرها بشكل أفضل بعيداً من صورة الفتاة التقليدية الكلاسيكية التي عُرفت بها.
صحيح أنّ صوت ديون يحمل طاقة كبيرة، كما أنّها تتمتّع بسهولة لافتة في الانتقال إلى أعلى النوتات من دون بذل جهود جبارة، إلا أنها واجهت أيضاً الانتقادات في بداياتها في كيفية استخدامه، وخصوصاً من الناحية التقنية. فكثيراً ما قيل للشابة التي كانت واثقة بأنها ليست بحاجة إلى دروس في الغناء، إنها تغني من أنفها وأن ذلك كان يمنعها من إبراز الكلمات التي تؤديها. مع السنوات والخبرة والتمارين، نجحت سيلين ديون في التمكن أكثر من تقنيتها وأظهرت مرونة أكبر. بعد إصدارها أكثر من 27 ألبوماً وبيعها مئات الملايين من النسخ في العالم وتحوّلها إلى أكثر كندية تحصد جوائز، هل تضطر سيلين ديون إلى توديع الغناء نهائياً؟