هو العلامة اللاهوتي البروفيسور تيودور عادل خوري (1930 ـــــــ 2023) من أبرز اللاهوتيين ليس فقط المؤمنين بالحوار، بل الممتلكين لناصيته والمجسّدين لروحه في أقوالهم وأفعالهم. رحل بصمت وجلال وخسره لبنان والعالم العربي والإسلامي والعالم وليس المسيحي فقط، ليس في قاموسه مسلمين ومسيحيين، بل إنسان يلتقي مع نظيره في المحبة والرحمة والعدل. هذه الأقانيم الثلاثة لأقنوم إنساني عجائبي يجسّد كلمة الله العليا التي تنادي الخلائق أن يلتقوا عليها ويحفظوها من الأهواء ونار العصبيات.نعم إنه الأب الإنسان الذي تشعر معه كأنك في ظلال المسيح ومحمد، إذ لا حواجز ولا رسميات تذوب معه في روحه الجميلة، التي لا تعرف إلا العزف على قيثارة الطمأنينة والسكون الذي ينبجس معيناً في دفء الكلمات. لم تخسره الكنيسة الملكية الرومية الكاثوليكية، بل خسرناه جميعاً في زمن قلّ فيه المحاورون والحاملون للأمانة بصدق، الذين خبروا الإيمان وعياً ومسؤولية وإخلاصاً يحاول الارتقاء ببني البشر نحو الأعلى نحو روح الله المحلّقة في فضاءات لا حد لها .
حصل على الإجازة في الفلسفة واللاهوت عند الآباء البولُسيين وفي الفلسفة من مدرسة الآداب العليا وعلم الاستشراق من معهد الآداب الشرقيّة في الجامعة اليسوعيّة ودكتوراه دولة في الآداب من جامعة ليون في فرنسا. عمل أستاذاً في علوم الأديان في كلية اللاهوت الكاثوليكية في «جامعة مونستر» في ألمانيا وعميد كلية اللاهوت في الجامعة عينها وعضواً في الأكاديمية الأوروبية للعلوم والفنون.
درس تاريخ الأديان، ولا سيّما الإسلام والهندوسيّة والبوذيّة. وما لبث أن تفرّغ للبحث في العلوم الإسلاميّة وفي قضايا التحاور المسيحيّ-الإسلاميّ.
تنقل في مناصب عدة كما شارك في المؤتمرات الوطنية والدولية الخاصة بالحوار الإسلامي المسيحي من فيينا إلى مالطا ومراكش وغيرها، اعتمده الفاتيكان مرجعاً له في ميدان الإسلام وعلومه، فعيّنه مستشاراً دائماً في مسائل الحوار المسيحيّ-الإسلاميّ. كان غني الإسهامات العلمية والفكرية، فترك عشرات المؤلفات عن الفلسفة الحضارات والأديان وبوجه خاص الإسلام.
نقل إلى اللغة الألمانيّة معاني القرآن وتفاسيره، في اثني عشر مجلّداً، وخلاصة الأحاديث النبويّة الموثوقة في خمسة مجلّدات، نُشرت كلّها في «دار غُتِّرسلوهر».
انحدر من عائلة لبنانية جنوبية غلب عليها العلم والتواضع والزهد والصلاح وظل طوال عمره مسكوناً بالمودة للجميع ناقداً فذاً بتجرد ومتسلحاً بديبلوماسية العبارة التي تؤدي الغرض.
في عام 2012، تشرفت بزيارته في البوليسية حريصا، وكان قلبه مفتوحاً على الحوار الرصين الهادئ، فحدثني عن الحوار الإسلامي المسيحي ومنهج الحوار وثقافته وآليات تفعيله وعن الأديان ورسالتها وعن علاقته بالمرجع السيد محمد حسين فضل الله فخرجت من عنده آنساً به وفخوراً.
هذا شيء من سيرته الغنية البهية التي خلفها لنا كحجة على واقعنا المتشظّي كي ننهض ونعد العدة السليمة لبناء شخصية راقية وعمارة حوارية حضارية إنسانية تليق بالآدميين على البسيطة.

* كاتب لبناني