في عيد الاستقلال الضائع، تطوَّف روميو لحود بظلّه وقطع رحلة الخلود بعصا إبداعه الأرضيّ. عيد استقلالٍ مهيبٌ في سياقه التاريخي. دلالاته مُضاعة راهناً في وطنٍ مؤجّل يُبدَّد الكثير من معانيه عمداً أو فشلاً، والفنّ الأصيل ينحت صداه ووجهه في وجدان الطيّبين والرومانسيين الذين لا يتوبون عن أحلامهم، وعن توسُّمهم الخير في أرضهم واعتناقهم عيون أحبّتهم: «على نبع الميِّ يا عينيِّ قلتلّي عطشان/ اسقيني شوية يا صبية من مَيّة لبنان/ من إيديِّ شربت الشفّة/ لمّا شفتا ما بتكفّي/ سقيتك من قلبي وعينيِّ» (الأغنية معروفة بصوت الفنانة سلوى القطريب). في أغنيةٍ أخرى، غرّدت «الشحرورة» صباح: «بوكرا بتشرق شمس العيد وبتبشّر بنهار جديد» (تأليف روميو لحود). إنه الأمل الصادح في أنغام لحود، وفي غياهب الرحيل والتواري وهواجس التلاشي في وطنٍ موهَن تضيء الأغاني ردهات الأمل. كان روميو لحود لامعاً في قدرته على مَوْسَقة كلماتٍ تتلألأ ببساطة متناهية قصداً، بأسلوبٍ محبَّب تستقرّ خلاصته في الذاكرات الفردية والذاكرة الجمعية. إضافةً إلى جهوده وبصماته المعروفة في المسرح الغنائي، كان أثره جليّاً في تأبُّده بأصوات كبار من وزن الفنان ملحم بركات (أغنية «أنا الوالي» على سبيل المثال)، وسمير يزبك في أغنيته الشعبية الشهيرة «دقّي دقّي يا ربابة»، وعبدو ياغي («بدّي بدّي ويش بدّي»)، وسواهم.
كان لامعاً في قدرته على مَوْسَقة كلماتٍ بسيطة بأسلوبٍ محبَّب للجميع

وما لا يعرفه أحدٌ أنّ روميو لحود تعاون مع العملاق وديع الصافي في فضاء الكلمة، لكن العمل لم يبصر النور لأسباب تتعلّق بالإنتاج. أفادنا الفنان أنطوان الصافي نجل وديع الصافي أنّ لحود ترجَمَ IF للعالميّ جوزيف روديارد كيبلينغ (كاتب، روائي، شاعر، وقاص إنكليزي، حائز جائزة «نوبل» عام 1907) إلى العربية، وتحديداً إلى المحكية اللبنانية، ولحّن النصّ وديع الصافي وغنّاه لكنه لم يصدر في أسطوانة. بذلك يعدّ أنطوان الصافي لحود «نافذةً أدبية من الغرب إلى الشرق»، على حدّ تعبيره، علماً بأنه «خدم الشرق حتى في المحكية (العامّية اللبنانية) المتفرّعة من اللغة العربية، بأصالةٍ وإنسانية». وأردف قائلاً: «شُغل لحود برفعة الإنسان والوطن من خلال فنّه». أنطوان، الذي احتفى منذ عقود بروميو في أمسياتٍ تكريمية له في باريس بحضور صديقه وديع الصافي، يعتبر أنّ الكلمة هي المحرّك الموسيقي الأوّل عند لحود الذي كان ملمّاً بالأدب الفرنسي والإنكليزي. عن خصائصه الأسلوبية التلحينية، قال لنا الصافي بنبرةٍ حزينة إثر غياب لحود: «روميو اكتسب الكثير من مروحة الألوان الموسيقية الموجودة قبله وبموهبةٍ حقيقية وشفافة وأصيلة طبع لمساته عليها تلقائياً، إنه لا يستنسخ. إنه أوّل الذين قطفوا زرع وديع الصافي وكبار الفن، وأسهموا في الزرع للأجيال القادمة. ثقافة روميو كانت لبنانية إلى العالم وعالمية إلى لبنان».