لا حديث في تونس منذ أيام إلا عن مقبرة «الغرباء» في مدينة جرجيس (جنوب شرق تونس) بعد كارثة غرق 18من أبناء المنطقة، أثناء محاولتهم الوصول إلى الساحل الإيطالي. يوم الخميس الماضي، أُغلقت مؤقّتاً المقبرة التي أقامها الفنان التشكيلي الجزائري رشيد قريشي (الصورة) لدفن الذين يلفظهم البحر أثناء محاولتهم الوصول إلى أوروبا فتحط جثثهم على الساحل التونسي.اشترى قريشي أرضاً في جرجيس لدفن الغرباء من الأفارقة وغيرهم ممن لا هوية لهم ولا أهل. بدأ المشروع الإنساني عام 2018 وافتتحته المديرة العامة لليونسكو، أودري أزولاي، في حزيران (يونيو) 2021 بعدما أُطلق عليها اسم «حديقة أفريقيا» (تضم 200 قبر). يومها، قال قريشي لوكالة «فرانس برس» عن الحديثة التي صمّمها كما لوحة بديعة: «أردت أن أهديهم الجنة بعد الجحيم».
وكان الفنان البالغ 74 عاماً المولود في عين البيضاء في الجزائر قد فقد شقيقه بعدما غرق في المتوسط.
في المقبرة مكان لغسل الجثث ونصب تذكاري ومكان لممارسة الشعائر الدينية كافة، وصمّم لها باباً تقليدياً على الطراز المغاربي وممرّات من الخزف.
أحاط قريشي المقبرة التي أنفق عليها من ماله الخاص بخمس أشجار زيتون و12 شجرة تين. ففيها، يلتقي العالم عبر رحلات الموت لأشخاص حلموا بالوصول إلى «الجنة الأوروبية»، على يد تجّار البشر بين ضفتي المتوسط.
وقبل أن يشيّد قريشي هذه المقبرة، كان دفن من يلفظهم البحر في جرجيس على حدود المياه الإقليمية الليبية يشكّل مشكلة كبيرة، إذ يرفض الأهالي دفنهم لأنّهم «غير متيقنين من إسلامهم». ومع تدفّق المهاجرين من ليبيا إلى إيطاليا عبر تونس كان لا بدّ من مقبرة للغرباء، لتولد مبادرة رشيد قريشي الإنسانية اللافتة.