افتتح «معهد المعارف الحكمية للدراسات الدينية والفلسفية» أعمال مؤتمره الخامس للتجديد والاجتهاد الفكري تحت عنوان «أطروحة الثورة الإسلامية ـــ مفاهيمها ونطاق اشتغالاتها» في 28 حزيران (يونيو) 2022 في قاعة الإمام الخميني (طريق المطار)، برعاية الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله ممثلاً بالشيخ علي جابر.ألقى الشيخ سمير خير الدين كلمة الجهة المنظمة للمؤتمر، فقال: «يأتي هذا المؤتمر متوّجاً لسلسلة من الأنشطة والفعّاليات البحثيّة المتمحورة حول الثورة. وهو استمرار لسياق سابق من المؤتمرات التي تعالج، وتبحث مفهوم التجديد والاجتهاد الفكري عند الإمام الخامنئي». وأضاف: «مع هلال الأربعين اتجه البحث في المؤتمر الخامس حول مفهوم الثورة ونطاق اشتغالها وعلاقتها بالأربعين»، لافتاً إلى أنّ «التركيز على ظروف نشوئها وقيمتها وتنامي حياتها وانشغالاتها، وطبيعة مفاهيمها التي تشع وتتلألأ نوراً، وتتجلى دلالاتها قوة رغم تقادم الزمان، فكانت عقداً منتظماً وفريداً من المفاهيم المتناسخة المتآخية التي تستحضر بعضها بعضاً، وهذا خلاف المتعارف من حياة الثورات التي خيضت تجاربها من قبل الثائرين عبر التاريخ».
وأكد أنّ الثورة الإسلاميّة ذات مفاهيم «تنبض بالثورة باعتبار أنّها ثقافة ذات قوة محركة للذات الإنسانية؛ فالعلاقة بينها وبين الذات المؤمنة بها هي علاقة تماه وتقديس وعاطفة وإحساس؛ وغالباً ما تتحرك الثورات بسبب مشكلة الإنسان المظلوم والمضطهد، أو العامل الذي لم ينل حقه». واعتبر كذلك أنّ الثورة الإسلاميّة «نشأت ممّا تختزنه المفاهيم الإسلامية، وليس من مثير في الخارج، وثورية المفاهيم تستلزم الحركية الدائمة لمفاهيم الحياة».
وتحت عنوان «الثورة الإسلامية المتجدّدة فرادة الأطروحة»، ألقى رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد المحاضرة الافتتاحية، فتحدث عن أنّ الإيحاءات المستخلصة من التعبير اللغوي للفظة «الثورة»، تنطوي على تحرك شعبي جزئي أو عام يستبطن رفضاً وتوتراً وتوثّباً نحو التغيير، كما يُستفاد من لفظة «الثورة» أيضاً أنّها ليست «مجرد قيام أو نهوض من الناس وإنما تنضاف إليهما صفة الغليان والاندفاع والحماس من أجل تحقيق تغيير واقع قائم واستبداله بواقع آخر جديد يستجيب لتطلّعات الثائرين ويجسّد رؤيتهم». وأضاف: «بقدر ما يكون منسوب الوعي متدفقاً، وأفقه شاملاً، بقدر ما تتّسع دائرة الأهداف المقدور على إنجازها، وربما يصح القول بأن الثورة هي المرآة التي تعكس الخلفية الثقافية والسياسية والأخلاقية كما تعكس الأبعاد والآفاق العملية للقائمين بها والمنخرطين فيها. وتبعاً للخلفية المشار إليها، يمكن تقدير المدى الذي يُحتمل أن تبلغه، ونوعية الأساليب والسلوكيات التي يتوقع أن تعتمدها».
وعن دوافع الثورة، رأى أنّها: «زخم الثورة يتفاوت بين حين وآخر وبين مكان وآخر تبعاً لقوة الدافع لها ولعصف فكرها، وتبعاً لطبيعة رموزها وقادتها، فضلاً عن مستوى تفاعل المجتمع مع خطواتها. أما على صعيد الدافع، فقد تتحرك الناس بشكل عفوي أو بفعل تحريض أو توجيه ما للاعتراض على أمر ما، يتصل بمعيشتهم، أو بكرامتهم، أو بعقائدهم وقيمهم، أو بحريتهم أو بسيادتهم، أو بخط سيرهم السياسي المعمول به في ساحتهم أو بلدهم».
وأما على صعيد العصف الفكري، فإنّ القناعة اليقينية بصحة الفكر وسلامته وصلاحيته لإحداث التغيير المنشود في الفرد والمجتمع، «كل ذلك يفعل فعله في تحريك الناس وتحفيزهم لرفض الواقع المر الذي يعيشون في كنفه، والعمل على استبداله بواقع جديد يتحقّق فيه العدل وتحفظ فيه الكرامة الإنسانية». وتابع: «أما على صعيد القيادة، فإن حجم استجابة الناس يتوقف على معرفتهم بتلك القيادة، وعلى خبرتهم بصدقيّتها وعلى ثقتهم بنزاهتها وأهليّتها»، قبل أن يسأل: «هل تستطيع كل ثورة أن تكون ينبوعاً متدفقاً جارياً باستمرار؟». ثمّ أجاب: «إنّ مراجعة متأملة في تجارب الشعوب وثوراتها تُشير إلى أن الثورة الأطول عمراً في أي مجتمع، هي الثورة التي تنطلق بدوافع عقائدية إيمانية تحترم كرامة الإنسان وتؤمن بمحورية دوره في إِعمار الحياة وإنمائها».
وشدّد على أنّه من المفيد الإشارة إلى أنّ الثورة الإسلامية في إيران التي انطلقت «تلبية لصرخة الحق التي أطلقها الإمام الخميني بوجه الشاهنشاه الدكتاتوري الظالم احتاجت إلى فترة طويلة من السنين تواصلت خلالها الصرخة عبر فاعليات متعددة في الحوزة والشارع والمدرسة والمسجد والجامعة والسوق وغير ذلك، واقتضت مواصلة دؤوبة لأنشطة علمائية وطلابية وشعبية ولإطلاق مواقف اعتراضية صاخبة إزاء سياسات الشاه وقراراته وإجراءاته...»، مشيراً إلى أنّ «التغيير لم يكن انقلابياً مفاجئاً وإنّما تدريجياً متصاعداً. وبخلاف الانطباع السائد عن أن الثورة الإسلامية هي ثورة فجائية أطلقها الفكر التغييري الجذري للإمام الخميني قدس سره من خلال اندفاعة واحدة».
وختم رعد مؤكداً أنّ«الخلاصة المستفادة من تتبّع فكرة الثورة الإسلامية في خطاب وخطوات مؤسسها الإمام الخميني (قده) وخلفه الإمام القائد الخامنئي (دام ظله)، أن المشروع النهضوي الإسلامي هو مشروع هداية وعدالة ورعاية لحاضر البشرية ومستقبلها... وأن الثورة الإسلامية المباركة هي محطة الانطلاق لتحقيق أهداف هذا المشروع الحضاري بشكل كامل يمتد إلى أن يصبح ملاذ الشعوب ومهوى أفئدتها ومعقد آمالها».
ثم استكمل المؤتمر في 29 حزيران، متناولاً ضمن محاور ثلاثة قضايا ومفاهيم أساسية تتعلّق بالثورة من قبل باحثين من لبنان والعراق وإيران، فيما توزعت هذه المحاور على العناوين التالية: «أطروحة الثورة الإسلامية ومرجعياتها»، «نطاق أطروحة الثورة وتجلياتها» و«تأثيرات أطروحة الثورة الإسلامية في خارج الجمهورية وداخلها».