شعوبٌ عديدة تحتفلُ بعيد النيروز في فصل الربيع، في الحادي والعشرين من شهر آذار كما حدّدته الأمم المتحدة، حيث تتجدد الطبيعة حاملةً معها معاني التجدد والحياة والخصوبة والحيوية والخضرة. فمنذ أكثر من أربعة آلاف عام تحتفلُ بهذا العيد شعوب إيران وتركيا وأفغانستان وأوزبكستان وطاجيسكتان وقرغيزيا وأذربيجان والعراق والقبائل الكردية والهند ودول أخرى. حيث يرمز هذا العيد إلى المحبة والتسامح والأخوة والبهجة، فنرى أن الأسماء تختلف لكن المناسبة واحدة، ولادة الربيع وتجدد الطبيعة. أعيادٌ شبيهةٌ نراها في مصر (شم النسيم) وعيد الشجرة أو عيد الأسرة في بلدانٍ أخرى. وربما نحن اليوم بحاجةٍ إلى مثل هذه الأعياد المشتركة التي تقارب بين الشعوب، فبالرغم من أنّ التقويم الشمسي تحتفي به بلدانٌ محدودة، إلا أنه تقويمٌ عالميٌّ يتزامنُ تجدد العام فيه مع ولادة الربيع في كل عام. الأمر الذي يجعله عيدًا لكل العالم مثل سائر الأعياد. تسمية النيروز تعني "اليوم الجديد"، فالتجدد هو السمة الأبرز والروح الطاغية على هذا العيد، حيث تستعد العائلات في إيران لهذا اليوم بكل ما لديها من حيوية ونشاط، حتى أن البعض يجدد عناصر في منزله أو على الأقل يغيّر بعض التفاصيل، ويحرصون على نظافة البيوت بشكلٍ أكبر في هذا الموسم، وغسل السجّادات وشراء الملابس الجديدة لأفراد العائلة وتقديم الهدايا، وأيضاً وردت روايات عن طريق أهل البيت عليهم السلام لهذا اليوم مثل ما جاء عن الإمام الصادق عليه السلام في يوم النيروز، حيث قال: إذا كان يوم النيروز، فاغتسل، والبس أنظف ثيابك، وتطيب بأطيب طيبك، وتكون ذلك اليوم صائماً، فإذا صلّيت النوافل والظهر والعصر، فصلّ بعد ذلك أربع ركعات.
وأيضا هناك رواية وردت في قبول هدية أيام نوروز «أهدى أحدهم علياً عليه‌ السلام هدية النيروز. فقال عليه ‌السلام: ما هذا؟ قالوا: يا أمير المؤمنين اليوم النيروز. فقال عليه ‌السلام : اصنعوا لنا كل يوم نيروزاً.
وفي ليلة النيروز، يسهر أفراد الأسرة مع بعضهم البعض مشددين على الألفة وصلة الرحم، ومن العادات والتقاليد التي يقومون بها، إعداد سُفرة من سبع أطباق تبدأ بحرب السين، ويتم وضع هذه الأطباق على طاولة مُزينة بالأزهار إلى جانب وعاء للسمك يحتوي على سمكة ذهبية، بالإضافة للشموع والمرآة والبيض الملوّن، ونسخة من القرآن الكريم. تُسمى هذه السُّفرة «هفت سین» أو «السينات السبع»، وتتكون الأطباق السبعة الخاصة بهذا العيد من عناصر تعدّ ضرورية بالنسبة إلى الإيرانيين والشعوب التي تحتفل بهذا العيد، وهي عناصر تبدأ كلها بحرف السين:
1- سبزه: هي براعم القمح أو أي نوع من الخضرة التي يتم زراعتها في طبق إلى أن تنمو كرمز للتجديد.
2- سمنو: هي نوع من الحلوى المصنوعة من القمح، وترمز إلى حلاوة الحياة.
3- سنجد: هي نوع من الفاكهة المُجففة التي تَرمِز إلى الحب.
4- سنبل: هي زهرة الياقوتية، وتَرمِز إلى الربيع.
5- سیب: هو التفاح، ويَرمِز إلى الصحة والجمال.
6- سماق: هي توابل حمراء اللون ترمِز إلى شروق الشمس من جديد.
7- سکه: هي العملة المعدنية.
هذه العناصر نذكرها كل عام، لنذكّر العالم بتقاليد هذا العيد الجميلة، هذه الطقوس التي توثّق العلاقات الأسرية وتعزز المحبة ولمّ الشمل بين أفراد الأسرة. فهي عاداتٌ محمودةٌ يمكنها أن تكون ذريعةً أخرى للفرح والبهجة.
هي مناسبة أخرى يحتفل بها الناس في فصل الربيع، فصل التجدد والشباب والنضارة والحيوية، فصل عودة الحياة إلى الأغصان اليابسة. كل الأعياد السماوية لها هذه المنفعة على الاجتماع البشري. لكن ما يميز النيروز هو أنه ليس عيداً يتعلق بدينٍ سماويٍّ معين فهو يرتبط باعتدال الشمس أو استواء الليل والنهار. لهذا فإن الشعب الإيراني اليوم، يحتفل كله بهذا العيد وكل الشوارع تزينها المصابيح الملونة
وكل الجوامع والكنائس تعلو فيها همهماتُ «يا مقلب القلوب والأبصار، يا مدبر الليل والنهار يا محول الحول والأحوال حول حالنا إلى أحسن الحال». فلتكن مناسبةً لعودة الحياة إلى سابق عهدها قبل أن يباعد الوباء بين الناس، وقبل أن يغترب الإنسان عن نفسه في ظل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي فرضت عليه في السنوات الأخيرة. فليكن النيروز يوماً جديداً بكل ما في الكلمة من معنى، وسلامةً وشفاءً بعد سقم، وسلامًا وأمانًا بعد حروبٍ ونزاعات، ووفاقٍ واتحادٍ وعيشٍ مشترك بعد طول جفاءٍ وفرقة.

* الملحق الثقافي الإيراني في لبنان