تشيّع تونس اليوم الفنان التشكيلي عادل مقديش الذي ودّع الحياة أمس الخميس بعد رحلة طويلة مع الأبداع التشكيلي والمسرحي. بدأ الفنان عادل مقديش تجربته التشكيلية رسّاماً مفتوناً بالسريالية قبل أن يصبح له لونه الخاص المختلف عن كل التجارب ليس التونسية فقط بل العالمية. إذ مزج بين الخط والتصوير وبين الإيقاعات التونسية والعربية والأفريقية واشتهر بالوجوه ذات الملامح الأفريقية وخاصة رسم «السيرة الهلالية» وهي التي كانت وراء شهرته منذ مطلع ثمانينات القرن الماضي.
ولد الفنان الرّاحل في مدينة صفاقس وتخرّج من المعهد العالي للفنون الجميلة مطلع الستينات من القرن الماضي. أقام في باريس لسنوات ودرّس مادة السينوغرافيا في المعهد العالي للفن المسرحي في تونس وتخرّجت على يديه أجيال من المسرحيين. كما درّس في المعهد العالي للفنون الجميلة في تونس وفي الرباط.
أصدر مقديش عدداً من الكتب الفنية الفاخرة التي احتوت على أعماله التشكيلية، خصوصاً مجموعة «السيرة الهلالية» التي أنجزها مع عالم الاجتماع الراحل المتخصّص في السيرة الهلالية عبد الرحمان أيّوب.
كان عادل مقديش قليل الظهور وكثير الصمت، وقلّ أن يظهر في الأوساط الثقافية منصرفاً إلى الابداع في مرسمه، ومعتنياً بدروسه في معهدي المسرح والفنون الجميلة كأي فنان مسكون بجمرة الفن الخالدة.
وبرحيل عادل مقديش، تخسر تونس قامة أبداعية كبيرة. ذلك أن مقديش هو من جيل الكبار الذين يغادروننا واحداً بعد آخر في زمن تتراجع فيه مساحات الثقافة والفنون أمام تحدّيات الحياة اليومية والجدل السياسي العقيم والأزمة الأقتصادية التي خنقت التونسيين.
فعادل مقديش كان فنّاناً لا يشبه إلا ّ نفسه. فلا شبيه له لا في السّابقين ولا في اللاّحقين وهو من القلة الذي لا تحتاج لوحاته إلى توقيع. فأسلوبه المتفرّد هو توقيعه الفعلي وهو من أكثر الفنانين التشكيليين الذين تحضر لوحاتهم الزيتية والخطية على أغلفة الكتب وفي معلّقات المهرجانات الثقافية.
وبرحيل مقديش، تنتهي مدوّنة السيرة الهلالية في تونس. فبعد أقل من عام، يلتحق مقديش بعبدالرحمان أيّوب ويغلق كتاباً جميلاً من أجمل كتب الفن والحياة.