حملت الأيام الأولى من عام 2021 قرار وزارة الثقافة تأجيل الدورة الثانية والخمسين من «معرض القاهرة الدولي للكتاب» ستة أشهر، ليُقام في حزيران (يونيو) بدلاً من كانون الثاني (يناير) كما كان معتاداً. ورغم أنّ التأجيل كان متوقّعاً، إلا أنّ الإجراء الاحترازي ضد انتشار الوباء، خيّب آمال الناشرين والمؤلّفين بعد فترة إغلاق طويلة تركت بلا شك أثرها على سوق الكتاب. للتخفيف من حالة الركود هذه، لجأت بعض دور النشر إلى طرح إصداراتها بتخفيضات كبيرة عبر منصّات البيع الإلكترونية، بينما عقدت مجموعات القراءة على فايسبوك لقاءات افتراضية مع الكتّاب والمؤلّفين؛ بهدف التغلّب على العزلة وغياب الأمسيات الثقافية وحفلات توقيع الإصدارات الجديدة والمناقشات الحيّة حولها.
نجيب محفوظ بريشة التشكيلي المصري الراحل محمد صبري (باستيل على ورق ــــ 1989)

شهد النصف الثاني من العام محاولات حذرة لإقامة فعاليات مختلفة، خصوصاً بعد انعقاد «القاهرة للكتاب»، وما تلاه من معارض مختلفة محليّة وعربيّة أسهمت في تحريك سوق النشر وتشجيع الأنشطة المباشرة مرة أخرى. من أبرز هذه الأنشطة ندوة «نجيب محفوظ بين مطرقة الإرث الثقافي وسندان المقتضيات العصري»، إلى جانب معرض وثائقي في المتحف حمل اسم «عميد الرواية العربية» الذي حاز نوبل عام 1988، ومناقشات حول كتاب الباحث في التاريخ الثقافي والصحافي محمد شعير «أعوام نجيب محفوظ.. البدايات والنهايات» (الشروق). أقيم حول الكتاب محاضرات عدّة، إلى جانب محاضرات مختلفة تناولت إرث صاحب «ثلاثية القاهرة» وأثره في الرواية العربية منها: «هل خرجت الرواية العربية من معطف نجيب محفوظ؟» التي شارك فيها كتّاب مصريون وعرب. ليس من المبالغة القول إذن بأنّ نصف سنة 2021 كانت عام نجيب محفوظ. بعد سنوات طويلة من الجدل حول مصير حقوق أعماله، حُسمت تلك القضية بتوقيع «ديوان» عقداً لمدة 15 عاماً مع أم كلثوم نجيب محفوظ للحصول على نشر أعمال والدها ورقياً وصوتياً بشكل حصري، وإلكترونياً بشكل غير حصري، فيما حصلت «دار هنداوي» على حقوق النشر الإلكتروني.
وأعلنت «ديوان» عن تشكيل لجنة من النقاد والمتخصّصين ستتولى مراجعة جميع الطبعات التي صدرت لأعمال محفوظ ومطابقتها، بحيث تتوصّل إلى أدقّ صورة تطابق كتابة صاحب «الحرافيش» من دون حذف أو أخطاء. من المنتظر خلال الأشهر القليلة المقبلة أن تكون أعمال محفوظ متاحة بشكل مجّاني وقانوني على الإنترنت، فضلاً عن توافر طبعات جديدة من كل أعماله التي كان بعضها مفقوداً منذ وقت طويل. على صعيد المسرح، ربّما تكون حادثة حريق «الجزويت» كارثة العام بالنسبة إلى الوسط الثقافي، فقد التهمت النيران مسرح «استوديو ناصيبيان» التاريخي في منطقة الفجالة وسط القاهرة في تشرين الأول (أكتوبر). وهو المسرح التابع لجمعية النهضة العلمية والثقافية «جيزويت القاهرة». ويكتسب المسرح قيمته التاريخية كونه ثاني أقدم استوديو سينمائي في مصر، بعد استديو مصر. إذ تمّ إنشاؤه عام 1937 على يد الأرمني هرانت ناصيبيان. كما شهد تصوير عدد من الأفلام الشهيرة منها: «باب الحديد» و«عروس النيل» و«شفيقة ومتولي» و«الحفيد». من جهة أخرى، غيّب الموت عام 2021 عدداً من أهم وأبرز المثقّفين المساهمين فى الحركة الأدبية المصرية. رحلت في آذار (مارس) الماضي المفكّرة النسوية نوال السعداوي (1931-2021). ومثلما كانت في حياتها مثيرة للجدل، أثار موت صاحبة «المرأة والجنس» ومسرحية «الإله يقدم استقالته في مؤتمر القمة»، حالةً كبيرة من الصخب والجدل بين مؤيّد ومعارض لمواقفها الداعمة للمرأة والمضادة لكهنوت رجال الدين.
في الشهر نفسه، ودّع الوسط الثقافي الناقد شاكر عبدالحميد (1952-2021)، بعد معاناته مع فيروس كورونا، وهو صاحب الإسهامات الهامة والدراسات في علم النفس الإبداعي، منها دراسته الشهيرة «الأسس النفسية للإبداع الفني في الشعر»، فضلاً عن مقالاته النقدية المختلفة. وكان آخر مؤلفاته «الدخان واللهب: عن الإبداع والاضطراب النفسي» الصادر في 2020.
غيّب الموت أيضاً الكاتب محمد حافظ رجب (1935-2021)، أحد أهم كتّاب القصة العربية القصيرة والمجدّدين فيها خلال النصف الثاني من القرن العشرين.
وقبل نهاية العام بأيام قليلة؛ فوجئ الوسط الثقافي بخبر وفاة الكاتبة والصحافية ماجدة الجندي، رئيسة القسم الثقافي في جريدة «الأهرام»، ورفيقة درب الروائي الراحل جمال الغيطاني. والجندي صاحبة مشوار طويل في الصحافة المصرية والثقافية على وجه الخصوص.
وفي اليوم الأخير من 2021، رحل الناقد والكاتب جابر عصفور، الذي صدرت له عشرات الكتب في الثقافة والأدب العربي والتنوير، من أبرزها «أنوار العقل» و«النقد الأدبي والهوية الثقافية» و«قراءة التراث النقدي».
شهد النصف الثاني من العام حالة «ريمونتادا» في سوق النشر، إذ طُرح عدد من الإصدارات المختلفة والهامة جاءت روائية بمعظمها، وتزامنت مع دورة معرض الكتاب. هكذا، أصدر الروائي إبراهيم عبد المجيد أحدث أعماله الأدبية «الهروب من الذاكرة» (المتوسط)، بعدما كان قد أعلن عن الانتهاء من كتابتها خلال فترة العزل المنزلي في 2020. علماً أنّها ثلاثية روائية تضم ثلاث روايات. وأصدر الروائي عادل عصمت أحدث رواياته «جنازة السيدة البيضاء» (الكتب خان)، التي تستعيد عالمه الأثير فى ريف الدلتا المصرية. وفي عمله «ماكيت القاهرة» (المتوسط)، يتوقف الروائي طارق إمام عند المدينة ومستقبلها. أما الروائي أحمد الفخراني، فيطرح إشكالية الإنسان مع الوجود والشر بشكل فلسفي في روايته «إخضاع الكلب» (الشروق).
وتحت عنوان «أقفاص فارغة» (الكتب خان)، أصدرت الشاعرة فاطمة قنديل عملها الروائي الأول. إنّه سيرة ذاتية مختلطة بالأحداث الخيالية في قالب يطرح سؤال الشكل السردي في الكتابة الروائية. كذلك، صدر للروائي شادي لويس «تاريخ موجز للخليقة وشرق القاهرة» (العين)، رواية تنقل جزءاً من تاريخ الأقباط في القاهرة وعلاقته بالتاريخ السياسي والاجتماعي في مصر.
وعلى مستوى الكتابة القصصية، أصدر محمد المخزنجي أحدث أعماله «رق الحبيب» (الشروق). كما أصدر القاصّ ياسر عبداللطيف مجموعته «موسم الأوقات العالية» (الكتب خان) التي يمزج فيها بين التوثيق والحكي بمهارة، ليخلق عالماً قصصياً جذاباً ومتفرّداً تدور معظم أحداثه في المعادي ووسط البلد. ويتوقّف عند شخصيات من طبقات مختلفة تلاقت أقدارها بشكل أو بآخر في القاهرة. وعن الأعمال غير الروائية؛ يُعد كتاب «إبراهيم ناجي... زيارة حميمة تأخّرت كثيراً» أحد أهم الكتب الصادرة في 2021، إذ تتناول المؤلّفة سامية محرز سيرة جدها لأمها الشاعر الكبير ابراهيم ناجي (مؤلف قصيدة «الأطلال» الخالدة التي غنتها أم كلثوم)، وتروي قصة علاقته الرومانسية بجدتها التي ألهمته القصيدة، بالإضافة إلى الكثير من المفاجآت عن حياته ومسوداته.
لم يخل 2021 من قضية طريفة نختم بها أحداث الثقافة، إذ أثارت سرقة أحد أعضاء اتحاد كتَّاب مصر قصيدة «اختاري» الشهيرة للشاعر السوري نزار قباني الجدل، لا سيما أنّ المجموعة التي ضمّت القصيدة كانت أحد المسوغات التي قدمها الشاعر مصطفى أبو زيد للحصول على عضوية اتحاد الكتاب، والتي حصل عليها بالفعل!
وبعد إثارة الضجة حول القصيدة على وسائل التواصل الاجتماعي، اتخذ اتحاد الكتاب قراراً بسحب العضوية من الشاعر، ما أثار النقاش حول اللّجان المختصة في تقييم الأعمال في الاتحاد، والتشكيك في المعايير التي ينضم على أساسها الأعضاء.
تصريحات الشاعر زادت من عبثية الأمر وقتها، إذ أوضح أن قصيدة قباني ضُمّت بالخطأ إلى مجموعته الشعرية، لافتاً إلى أنّ «ابنته هي من قامت بجمع المادة على الكمبيوتر، وأدخلت القصيدة بشكل غير مقصود»!