«لا بد أنّك سترى ملامح لأشخاص تعرفهم أو تفاصيل ليوم مرّ بك مرور الكرام، ثم استقر تاريخياً ضمن إطار على جدار زمن ينتظرك لتراه». هذا كان العنوان العريض لمعرض التصوير الضوئي Witness (شاهد) للمصوّر السوري خلدون كيلاني في صالة «ليفانت» في أحد فنادق دمشق.ليس هناك في اللوحات التي التقطها الفنان دلالة على الجغرافيا بشكل مباشر، أو الهوية، أو التورّط بمواقف واصطفافات سياسية، إنّما سيوقف الزمن به بين سنة 2012 حتى اليوم، عند الوجوه بشكل خاص. بوتريهات معبّرة ستتحوّل إلى شواهد توثيقية على مرحلة غنية بالوجع من تاريخ سوريا، لكن يمكن للفرح أن يتسلسل خلسة من بعض اللوحات.
وجوه سورية عدّة، ترمز حيناً إلى قسوة الزمن الأسود، وأحياناً تلتقط دمعة طفل في احتفال تكريم لوالده الشهيد: هنا تبدو هذه اللوحة الأكثر بلاغة ربما لتعابير الوجه وأصالة الحزن متفوّقة على كلّ ما هو طارئ من مشاعر مختلفة، فيما سترصد لوحة أخرى امرأة تقطع الثلج قابضة على يد ابنها في درب كأنها الطريق إلى المجهول! وفي أماكن ثانية، سيشتغل الفنّان على التقاط ضوء الشموع الذي كان ينير ليل دمشق في بداية الحرب، بصيغة تعبيرية تقارب الفن التشكيلي. كذلك هي الحال بالنسبة لصور الغروب التي كان ينتظرها. كأنّنا هنا أمام معادل تعبيري بلغة مغايرة لرائعة صموئيل بيكيت «في انتظار غودو». وإن كان لابد من إيقاف عقارب الساعة عند جنود للجيش السوري، فستكون الوجهة إنسانية بحتة. مرّة لجندي يصلّي في العراء خافضاً رأسه في وجه الكاميرا، ومرّة لجنود يرفعون أعلام بلادهم فوق دبابة بعد معركة شرسة.
وإن كان لا بد من توثيق شكل المدينة القديمة، سيختار كيلاني أحد أبرز الأقواس الأثرية في لوحة يلعب الضوء في تشكيل ملامحها ويظهر الهندسة المعمارية التي تجابه كل المفردات العصرية وتتفوق عليها.
يقفز كيلاني من التوثيق، للاشتغال على عوالم المرأة بكادر عميق الدلالة يهدف إلى تسليط الضوء على القيود المفروضة على النساء في كل المجتمعات والعصور، ويتصدى للسطوة الذكورية وقبضتها المحكمة حول عنق المرأة التي تجاهد للتحرر.
لكن ربما يكون التصوير الفوتوغرافي أحد الفنون التي توغل في العفوية والاصطياد النقيّ لمادة بكر من دون أن تشوّش عليها التكنولوجيا. لذا يبدو منطق العرض في فندق 5 نجوم بمواكبة موسيقى وشاشة عرض عملاقة، وكأنه استعراض ينتقص من حصّة المادة الفنية الأصلية؟ في حديثه مع «الأخبار»، يرد خلدون كيلاني بالقول: «على العكس تماماً. كلّ ما أجرّب فعله هنا هو محاولة منطقية لتقديم المعرض وفق شرط فني وعناصر جذب تساعد المتلقي، وتخلق لديه المتعة، وإن كان الهدف الأساسي هو التوثيق». أما عن استخدام الـ «فوتوشوب» في لوحاته، فيشدّد على أنّ أي برنامج «لم يتدخّل في اللوحات، إلا إذا أردت تركيب لوحة لتقول شيئاً محدّداً كتلك التي نقدّم فيها وجهاً واحداً في أكثر من زاوية».