إنطلق في واشنطن قبل أيام معرض «دفء شموس الآخر» الذي يجمع أعمال أكثر من 75 تشكيلياً ومصوراً رصدت التاريخ المعاصر للهجرة حول العالم. صحيح أنّ الهجرة من أماكن الحروب والكوارث ليست قضية طارئة، إذ عرف الناس ويلات المنفى والتشريد منذ القدم، سيما في القرن الأخير مع تطور وسائل المواصلات. تحت عنوان «دفء الشموس الآخر: قصص من التشرد العالمي»، تعرض التظاهرة الفنية أعمال فنانين أميركيين، مكسيكيين، برازيلييين، جامعةً «إجابات فنانين أظهروا سمات دراماتيكية للهجرة» وفق المدير الفني لـ «متحف نيويورك» ماسيميليانو جيوني. عنوان المعرض يستلهم قصيدة الكاتب الاميركي ريتشارد رايت «الصبي الأسود» (1940)، مستبطناً نبرة متفائلة، بحسب منسقة المعرض ناتالي بيل، وقد جاء اختياره على هذا النحو، لعدم الترويج لمعاناة المهاجرين، بل لإلقاء الضوء على رغبة هؤلاء في إيجاد حياةٍ أفضل في مكان آخر.
جاك ديلانو، مجموعة مهاجرين من فلوريدا إلى نيو جرسي (1940)
في حديثٍ إلى صحيفة «ذا غارديان» البريطانية، تقول بيل، إن الهدف من المعرض هو «النظر إلى الهجرة في التاريخ الاميركي» كونها لم تروَ كثيراً حتى الآن. يأتي هذا المعرض بعد أيام على صورة هزّت العالمين الواقعي والافتراضي: صورة رجل سلفادوري ملقى على وجهه مع ابنته الصغيرة في نهر ريو غراندي، بعدما لقيا حتفهما غرقاً أثناء محاولتهما الهجرة من المكسيك إلى تكساس. الصورة أعادت التركيز على الأخطار الراهنة التي يواجهها المهاجرون اثناء محاولتهم إيجاد ملجأً في الولايات المتحدة في ظلّ سياسات معادية للمهاجرين شهدت تنامياً مع وصول دونالد ترامب إلى السلطة، وتوجه أوروبي عام يسعى إلى الحدّ من الهجرة والمهاجرين إلى القارة العجوز.
المعرض الذي يستمر حتى 22 أيلول (سبتمبر) في «فيليبس كوليكشن» (متحف الفن الحديث في واشنطن)، ليس الأول الذي يعمل على ثيمة المهاجرين، والأرجح أنّه لن يكون الأخير. من بين الأشهر في هذا الإطار نتذكر عمل يوكو أونو وسط مانهاتن على الموضوع نفسه. تحكي بيل عن خصوصية معرضهم الذي يركز على قضايا راهنة في الولايات المتحدة كونه يتحدث عن تاريخ الهجرة والهجرة الوافدة، بالاضافة إلى الهجرة القسرية في الولايات المتحدة عبر التاريخ.
آدريان باتشي (2007)
تتضمن الأعمال المعروضة «مجموعات الهجرة» للتشكيلي الافريقي الاميركي جاكوب لورنس من أربعينيات القرن الماضي، التي ترصد «الهجرة الكبرى». تعرض هذه السلسلة التي تتضمن 60 صورة من بينها بورتريهات للمناضلين في سبيل إنهاء العبودية، هارييت توبمان وفريديريك دوغلاس، بالإضافة إلى طوابير حاشدة للمهاجرين ومشاهد من المحاكمات بحق الاميركيين الافارقة.
كما سيشاهد زائر المعرض لوحةً للتشكيلي الأميركي من أصل أرمني، آرشيل غوركي، مع والدته. اللوحة مستوحاة من صورة لغوركي تعود لعام 1912 حين كان في السادسة عشرة من عمره. كان ذلك سنوات قبل هربهما من الإبادة الأرمنية إلى الولايات المتحدة. يقول جيوني إن هذه الأعمال توضح كيف أن «تاريخ الحداثة كله مرتكز إلى تجربة المنفى»، مضيفاً إنها تظهر أيضاً كيف أن الناس يتشاركون لغة أوسع من الحدود، كون الجماعة البشرية تتخطى الحدود.
(1941)
صورة أخرى معروضة في هذه التظاهرة، تحمل توقيع المصورة الأميركية دوروثي لانغ، تعود إلى عام 1942، خلال الكساد الكبير الاميركي، تُظهر محل سمانة في منطقة «جابان تاون» في أوكلاند غداة معركة بيرل هاربر. نعرف بعدها أن صاحب المحل دفع لأحدهم كي يخط لافتة أمام المحل تقول «أنا أميركي». لكن المحل أقفل بعدها بفترة قصيرة، بعدما أجبر يابانيون على إجلاء مناطق من الدولة، كما أن صاحب المحل اجبر على الذهاب الى معسكر اعتقال.
أما بين الأعمال المعاصرة في المعرض، فنجد مقطع فيديو للفنان البلجيكي الذي يقطن في المكسيك، فرنسيس آلايس، يُظهر أطفالاً من طنجة (المغرب) وتاريفا (إسبانيا)، يقفون في طابور طويل يصل الى البحر.
كذلك، يشارك المخرج والفنان الالباني الاصل آدريان باسي، بفيديو «لحظات من الانتقال»، يُظهر مجموعة أشخاص يقفون على درج طائرة، لا تؤدي إلى مكان.