ما زال أساتذة المسرح يميلون للكاتب والشاعر الإيطالي لويجي بيرانديلو (1867 ــ1936) صاحب الفضل في ابتكار «الميتاتياترو» (المسرح داخل المسرح) بشكل معمّق له دلالاته النفسية والوجودية، منذ صدور نصّه «ست شخصيّات تبحث عن مؤّلف» (1921)، من دون نكران المعلّم وليام شكسبير (1564 ــ 1616) الذي استخدم التقنية قبله في أيقوتنه الخالدة «هاملت»، وكذلك الألماني برتولت بريشت (1898 ــ 1956). أما عربياً، فالتجربة راحت نحو مجموعة كتّاب منهم مارون النقاّش وصلاح عبد الصبور وتوفيق الحكيم و صاحب «الملك هو الملك» أي المسرحي السوري الراحل سعد الله ونوّس. على أيّ حال، فتحت منطقية السرد المسرحي بهذه الطريقة فضاءات منسجمة على حدودها القصوى مع المتفرّج بأسلوبية تجعل الشخصيات تخرج من عباءاتها لتخاطب الجمهور ربما بأسمائها الحقيقية. كناية عن ذلك وبدون تمترس عند قوالب هذه المدرسة ومفاهيمها النظرية الأكاديمية، قرّر الممثل والمخرج المسرحي السوري حسين عبّاس تقديم عرض بعنوان «تحية...» (كتابة شادي كيوان ـــ تمثيل: حسين عباس، وسوسن عطاف، ومصطفى جانودي، وجعفر درويش، وشادي كيوان، ومجد يونس أحمد، وغربة مريشة، وأحمد بسمة). قُدّم العرض يوم الجمعة الماضي على «مسرح الحمراء» في دمشق لمرّة واحدة فقط في مناسبة «يوم المسرح العالمي» الذي يصادف في 27 آذار (مارس) من كلّ عام.يلعب كيوان دوراً رئيساً في المسرحية، فيبدو كمن راح يشوّش على مشروعه الكتابي الذي يسير فيه بخطوات وتراكم معقول. هنا يؤدي بطريقة برّانية لا تتمكّن من الاستحواذ على تعاطف المشاهد، ولا حتى إقناعه بأنّ من يؤدي يأخذ مهنة التمثيل أصلاً على محمل الجدّ، فيما يتمكّن بعض عناصر فرقة «المسرح القومي ــ فرع اللاذقية» من لفت النظر للمقدرات الأدائية، وتحديداً مصطفى جانودي نظراً لما كشف عنه من مرونة جسدية وبراعة واضحة في التكنيك الأدائي!
يقترح عبّاس أن تكون الاحتفالية بديلاً للاتكاء على نصوص المسرحيين، بمعنى أن يترك فرصة للجمهور ليطلّع على هواجس وأحلام فرقته بعدما قررت الذهاب إلى دمشق وتقديم عر ضها! تضييق الخيارات بسبب الرقابة والفجوة الحاصلة بين أي طرح ثقافي وأحوال الناس يجعل المخرج يتعايش على الخشبة مع قسط من هواجسه التي يكشف لاحقاً بأنها أحلام عندما يتلقى مكالمات فيديو من أنجلينا جولي ومورغان فريمان، وهما يشكوان أحوال الحياة في الولايات المتحدة ويتمنيان لو كانا موجودان مع عباس في احتفالية «يوم المسرح العالمي» وهي تقام في «أقدم بلد في العالم»!؟
في السياق نفسه، يتم تطعيم أجواء البروفة بمشاهد يفترض أن الفرقة تشتغل عليها للعرض الحقيقي، قبل أن تداهمهم التغييرات الرقابية فتلغي لهم كل المحاولات! المشاهد التمثيلة خارج منطق البروفة بمجملها ضعيفة تفتقر لبنية درامية سليمة متصاعدة ولجوهر حكائي يوصل رسائل محددة، لذا بدت مقحمة لا طائل ولا مبرر من الاشتغال عليها. فيما تكثّفت الكوميديا في مطارح عدة لها علاقة بأجواء الفرقة لأنّها تخلّصت من الادعاء وراحت نحو العفوية والصدق المصنوع. ومع ذلك، ظلّت الفرقة بجهدها مصابة بهاجس الجمهور والنقاّد وماذا يمكن أن يقال عنهم، لذا جهدت لإيجاد تبريرات مرجعية على لسان أساتذة المسرح في العالم لتقول إنّ «المسرح هو رسالة من المتعة قبل كلّ شيء». ربما لو تحرّرت من هذا الأمر وراحت نحو تعميق المنطق الكوميدي الذي لعبت عليه لأنجزت شيئاً أبعد مما قدمته، وربّما اقتربت من حالة «الشانسونييه».
أخيراً، بعد إجهاض لكلّ محاولات الفرقة بإنجاز عرض مسرحي، تقرّر من دون إجماع الاكتفاء بقراءة مقتطف من كلمة «يوم المسرح العالي» التي ألقاها هذا العام المخرج والدراماتورج الكوبي كارلوس سيلدران، قبل أن يبدأ عبّاس بمحاولة توزيع التحية على ممثليه ومن ثم يعم الخلاف وتخلص الحكاية إلى عراك قوي يباغته إطفاء تام ومن ثم تحية جماعية لكل الفرقة!