هناك في القاع حيث نتعلم الهزيمة، الهزيمة من ذاتنا، من وحشتنا، من المرأة، من القصيدة، أم من الإيحاء المحمّل بطاقة تدميرية قادرة على أن تقطع حبل المعنى التقليدي الّذي يتيحه الشعر في الشرح والتأويل، لتغدو مفتوحة على احتمال الإغراق في التصوف في آن المشاركة مع الإيروتيكية الفجّة، وفي حال التخلي عن الاعتراف بكلتيهما نقدياً، فليس من المواربة القول بأن الضحية ذات أقنعة لكنها تكره القدرة على أن تكون كالشمس في تجلّيات نورها عندما تريد أن تظهر في جغرافيا ما دون تأويل. بمعنى آخر، المباغت في المسامرات محكوم بجغرافيا المخالفات البائنة، حيث الوضوح يتماهى مع الغموض بغزارة التائب والمجرم معاً كي لا تبكي الوحشة بعيداً عنا، ونغدو غرباءً فتضيع منّا الخصوصية الّتي أشار لها بقوله «أنتَ مجموع ضحاياك؟ ضحاياك أيضاً مجموع روحك»، والتي نستطيع من خلالها تأطير الرؤية التّي انطلق أنسي الحاج منها في جميع ما كتب وبصياغات مختلفة عند خضوعها للتجنيس. كما أن تلك الرؤية هي بديل موضوعي لما تأتي به الجغرافيا من مفاجآت ميدانية على مدار الساعة وتجعل من ساكنها بشكل دائم في حالة من مسامرة الوحشة فماذا لو كان غير ذلك، ماذا لو تمّت إزالة السدود أو تمّ تحصينها؟
«في الأولى يتدفق الموج، تُرفع الكلفة، مع الثاني تتعمق العزلة، رفع الكلفة يأتي بالورود والشوك، ضريبة الأُنس قد تكون أشدّ من وطأة الوحشة تدعيم الحدود والسدود ينشف القلب لكنه يضمن الهدوء والخصوصية ونظافة المكان».
في أيّ طرف من الثنائيات المتوازية أبداً في كتاباته تكون النجاة: نسأل أنسي الحاج بعد رحيله، فتأتي الإجابة حائرة في ما بعد الشعر وما قبل الفاجعة: «الظل الناجم عن الاعتدال ما بين هذين القطبين، ظلّ حسابي وجبان، أين الحل إذاً؟ إنه في بقاء المشكلة: حيث المعاشر المختلط يزداد تحسسه بداخله كلما اندلق إلى الخارج، وحيث المنعزل المختبئ يزداد تسامحاً مع البعيدين عن سمعه ونظره».
*كاتب سوري