صعبٌ جداً، أن تعرِفَ شخصاً يشبه محمود النجار ولا تعرف أحداً من أقاربه أو معارفه. سيئ جداً أن تتلقى خبر وفاته في منزله في مصر، وأنه مات منفرداً.
لماذا يا صديقي، كتبت موتك عدة مرّات وهذه المرة كتبوا عنك؟

لماذا تركتهم ينشرون هذا الخبر ولم تجمّله وتنمّقه بعباراتك البليغة رغم اصطباغها بالحزن الدائم؟
لماذا لم تكتبها قصيدة كي نتغنَّى بها ونُذرف دموعنا عند إلقائها، كما حال قصائدك ورواياتك؟
سيد الغربة والمنافي، كان اللقب الأقرب إليك واليوم تَكرّس مع اسمك.
منذ هاجرت بغداد، وأنت تحلم بالعودة إليها، عودة رجل مُكرَّم في بلده. عشتَ سنوات الغُربة في ألمٍ جسدي وعذابٍ نفسي وفكري وروحيّ، وبقي حُبّ بغداد والحنين إليها الحب الأول.
التقيتك في افتتاح معرضي «أحلام في زمنٍ هارب» في بيروت وكانت المرة الأولى، لتعود في اليوم التالي وتخبرني أنك تريد أن تتأمل لوحة خطفت أنفاسك وأحسست أنّ فيها شيئاً من قلبك البديل، وتريد أن تكون غلافاً لروايتك «القلب البديل» (الصورة) وكان لك ما أردت.
في «القلب البديل»، قرأت للمرة الأولى رواية ما زال صاحبها على قيد الحياة، اكتشفت إنسانيتك عذاباتك، رحلتك في الحياة، وحدتك، تحدّيك للمرض.. سألتُك هذه قصتك الواقعية؟ أجبتني بألم جزء منها. كنت تراهن على هذا القلب البديل، الذي أمدَّك بحب الحياة أكثر لتُبدع أكثر وتنتشر بمؤسستك «أوطان» التي تطمح أن يكون لها مقراً في لبنان، ولكن اكتشفت أن لبنان ليس موطن الكتَّاب والشعراء محدودي الدخل ــ كي لا أقول أكثر ـ كنت غنياً بأخلاقك، بطيبتك، بإنسانيتك.
أصررت على دعوتي إلى لاهاي، مكان إقامتك الدائم، وجُلنا المدينة سوياً مشياً على الأقدام، زُرنا معالمها الحكومية والرسمية والتاريخية، شربنا القهوة في باحاتها، ممزوجة بطعم التأمل ومسحة الحزن من خلال الحديث عن حياتك وغربتك ووجعك وآمالك.
أكتب اليوم ما أرجعتني إليه الذاكرة بعد سماع خبر رحيلك المفاجئ، وددت التكلم مع أحد، وددت أن أعرف المزيد عن تلقّي عائلتك النبأ. وددت أن أقول لهم إنكم خسرتم، ليس روئياً وشاعراً استطاع أن يشقّ طريقاً له في بلاد الاغتراب، وأن يكون نجماً مُضياً، بل خسرتم إنساناً بكل ما للكلمة من معنى، مدافعاً شرساً عن العراق، كي يعود اليه يوماً مُطمئناً. الرحمة لك صديقي والعزاء لعائلتك ومن عرفك من خلال أعمالك وما أنجزت. القلب البديل لم يمدّك بالعمر الطويل، إنما أمدّك بالإبداع أكثر، بإحساسك أنك ستغادر وعليك أن تبصم إنجازاتك بسرعة.
تحياتي لك أينما كنت

* فنانة تشكيلية وأستاذة جامعية من لبنان