تركت لنا شجاعتها
باسل زايد *
كنت طفلاً يستمع بشغف إلى كل ما هو موجود وكانت أغاني ريم بنا، وكبرنا وظلت ريم بنا ورحلت وستظل شخصية ريم بنا. رحيل ريم هو رحيل علاقتنا جميعاً مع ريم، فالكثير من الأسماء نعتبرهاً جزءاً من حياتنا إلى أن تغيب. غابت ريم، ولكن تركت مواقفها وأغانيها التي استخدمتها للتعبير عن هويتها. كنت مختلفاً معها في الكثير من الأمور الفنية والسياسية وغيرها، ولم أقل لها بحكم الزمالة الفنية. أما الآن، فقد أعطتني الفرصة لاختلف معها اختلاف الجبناء. غادرت ريم، ربما تعبت، وربما حان وقت الرحيل، لكن بالنسبة لي خسرت فرصة أن أعبّر عن اختلافي مع ريم. لكن الأهم أنها كانت شجاعة بتعبيرها عن نفسها ووطنيتها وإنسانيتها. رحلت ريم وتركتنا نتذكر شجاعتها. مع السلامة ريم بنا
* موسيقي وملحن فلسطيني
■ ■ ■

ذاكرتي الطفولية

محمد نجم*
ارتبط صوتها بفترة طفولتي حين كنت استمع إلى أغانيها التي كانت تلعلع من مسرح «العمل الكاثوليكي» في بيت لحم. كان مسرحاً مكشوفاً وعلى ارتفاع يطل على مدينة بيت ساحور. تمنيت وقتها، أن أقابلها شخصياً، أذكر بأن أغاني الأطفال التي كانت تؤديها كانت تحاكيني، وصوتها كان يرافقني كصديق وفيّ يواسيني ويشجعني عندما كنّا نلعب كرة القدم في بيت ساحور!
فِي يوم من الأيام، جالت سيارة بمكبرات صوت تعلن بأن ريم بنا ستغني في بيت لحم. وجدت ساقيّ تتوجهان مباشرة الى ساحة «العمل الكاثوليكي»، واستطعت يومها أن أحصل على أوتوغراف منها مع ابتسامة عريضة وترحيب كبير.
بعدها بسنين شاركت في المهرجان نفسه الذي غنت فيه في «مهرجان يابوس» في قبور السلاطين. ذهبت لأحضرها كأنني أريد أن أسترجع بعض ذكريات طفولتي. مرت الأيام والسنون وغمرت بحب أعمالها وخاصة «مرايا الروح. في العام ٢٠٠٩ دعت اوركسترا فلسطين للشباب كلاً من ريم تلحمي وريم بنّا للمشاركة مع الأوركسترا حيث أدت بنّا أغنيتها التي حاكتنا كلنا وأبكتنا «ساره» (الطفلة التي قتلت في بيت لحم من قبل الجيش الإسرائيلي). وحصلت على شرف مشاركتها المسرح نفسه. وهنا أودّ الشهادة بصدق وشفافية ريم! إذا لم تكن تعرفها، فربما اعتقدت أنها كانت تبالغ في كل مرة كانت تتحدث عن فلسطين وعن النضال وعن ضرورة الصمود، سواء على المسرح أو خارجه. بل كانت فعلاً مشغولة ذهنياً وعاطفياً ومغمورة بالقضية، كما أنّها كانت ابنتها أو قضيتها الشخصية!
ريم كانت مع ابتسامة غير مفارقة لوجهها بشكل دائم. تحترم وتحب كل من حولها، وفراقها الْيَوْمَ شكل لي صدمة، كأن جزءاً من ذاكرتي الجميلة غادر وتلاشى! ريم المجسدة بصوتها وفِي شخصيتها، المقاومة للمرض والاحتلال وكل المصاعب التي مرت فيها، لم يستطع هذا الخبيث أن يغلبها أو يخفي ابتسامتها، رغم أنّه كسر أحد حبال صوتها الحريري.
* عازف كلارينيت فلسطيني
■ ■ ■

الطاقة الجارفة

يوسف زايد*
ما زلت أذكر كأن ذلك كان بالأمس، صاحبة البريق القوي في عينيها، ريم بنا الطاقة الجارفة، كنت يومها مشاركاً في «مهرجان القدس». فبقيت في مدينة القدس لأيام عدة، وحالفني الحظ أن أستمتع بعرضها الموسيقي في قبور السلاطين. كنت ما زلت طالباً في معهد الموسيقى آنذاك. بعد العرض، ذهبت لتحيتها على أدائها الرائع لأنّه أعجبني حضورها القوي والعفوي. تملأ المسرح وحدها. المسرح شيء مخيف، لكن أظنّ أنّ المسرح كان يخاف ريم. موسيقى قريبة للقلب وكلمات أقرب. بسمة من القلب وعلاقة خاصة مع الجمهور.
أديت التحية وشعرت فوراً بأنني زميل لريم كأنّها تعرفني من 20 سنة. سألتني ماذا أفعل، فأخبرتها عن نشاطي الموسيقي، فقالت جملة واحدة مع بريق العينين نفسه: «شي بيجنن، لازم كمان وكمان. موفق» وخلص.
اليوم استيقظت من النوم ووقعت عيناي أول شيء على البريق نفسه في صور التعزية على الفايسبوك، وأنا أعلم بقوتها وشجاعتها وهي تقاوم المرض. لم أستطع أن أفهم.
لم يحن لهذا البريق أن ينتهي، لن ينتهي هذا البريق.
* موسيقي فلسطيني