رغم وجود ترسانة قانونية في لبنان لحماية القاصرين من الاعتداء الجنسي، تبقى هناك تحديات كبيرة تواجه التصدي لهذه الجرائم التي تتزايد بوتيرة سريعة ومقلقة من دون ضوابط. وهي تحديات اجتماعية وثقافية وقانونية وقضائية، يتطلب التغلب عليها نهجاً شاملاً من الإصلاح القضائي، والتوعية المجتمعية، ومكافحة الفساد لضمان تحقيق العدالة وحماية حقوق الأطفال بشكل فعلي وفعّال.
تتلقى جمعية «حماية» يومياً شكاوى من قاصرين تعرّضوا لكلّ أنواع العنف الجنسي، بلغ عددها 283 شكوى عام 2022 و284 شكوى عام 2023 و112 شكوى في الأشهر الستة الأولى من هذا العام. وتعيد مديرة «برنامج المناصرة والحماية القضائية» في الجمعية باسمة رماني ارتفاع الشكاوى إلى «الوعي الموجود لدى الأطفال والقصّر الذي يخوّلهم تصنيف الاعتداءات التي يتعرّضون لها بأنها أفعال خاطئة يجب وضع حدّ لها». ووفقاً لمتابعته قضايا العنف الجنسي، يؤكد المحامي حسن عويدات أنّ «تعرّض القصّر لهذه الجرائم ليس جديداً، لكنّ وتيرتها تسارعت وسُلّط الضوء عليها أكثر نتيجة التكنولوجيا والتطبيقات الحديثة».
ويؤكد كشف شبكة «التيكتوك» المتهمة بالدعارة واغتصاب القاصرين بعد سنوات من عملها أنّ السلطة القضائية لا تتدخل إلا بعد وقوع المشكلة، علماً أنه «لا يمكن لعاقل ألّا يتوقّع بركاناً لاأخلاقياً سينفجر من التيكتوك يوماً ما، نظراً إلى المحتوى المخلّ بالآداب العامة الذي ينتشر فيه»، كما يقول عويدات. لذلك، كان يجب أن تتحرك النيابة العامة كخطوة استباقية وتبحث عن خلفيات هذه الأفعال وتحدد ما إذا كانت تتطلّب رفع دعوى حق عام. كذلك، لم يستفد قضاة الأحداث من الصلاحيات الاستثنائية الممنوحة لهم «للتدخل تلقائياً، قبل أن تردهم أيّ شكوى أو إخبار، واتخاذ قرار حماية الأحداث في الحالات التي تستدعي العجلة ويُعدّ فيها الحدث مهدداً، استناداً إلى المادة 26 من قانون حماية الأحداث». ومن بين الحالات التي تُعدّ تهديداً للحدث، بحسب المادة 25 من القانون «وجوده في بيئة تُعرّضه للاستغلال أو تهدد صحته أو سلامته أو أخلاقه أو ظروف تربيته، وتعرّضه لاعتداء جنسي».
لا يتجاوز عدد القضاة في جبل لبنان السبعة، يتابع كل منهم 400 ملف سنوياً!


وإلى جانب عدم تطبيق القانون لجهة التدخل الفوري والاستباقي للجريمة، هناك ثغرات في قانون العقوبات. أولاً، في عقوبة اغتصاب القاصر التي يراها عويدات «مخفّفة، فهي في الحالة القصوى تصل إلى 9 سنوات سجنية إذا لم تتم الضحية الثانية عشرة من عمرها». ويطالب «بعقوبة السجن المؤبد لأنّ ضحية الاعتداء الجنسي قد يُدمّر نفسياً وجسدياً، ما يدفعه إلى الانتحار». ويضيف: «أمام التطور التكنولوجي الذي يساهم في نموّ معدّل الجرائم عموماً وجرائم الاغتصاب والاتجار بالبشر وترويج المخدرات خصوصاً، لا بد من تعديل قانون العقوبات دورياً كما تفعل الكثير من الدول، فضلاً عن توفير برامج تدريبية مكثّفة للقضاة ورجال الضابطة العدلية حول كيفية التعامل مع ضحايا الاعتداءات الجنسية بشكل فعّال». وتنتقد رماني ما ينصّ عليه قانون العقوبات من «سقوط جرم العنف الجنسي بمرور الزمن، وخاصة أنّ الضحية قد لا تتجرأ على تقديم شكوى إلا بعد اكتمال وعيها وإتمامها سن الـ 18 سنة، وعندها يكون قد مرّ الزمن على الفعل الجرمي، فيفلت المجرم من العقوبة».
هناك عوائق أخرى تحول دون ضبط جرائم الاعتداء الجنسي بحق القصّر، تتمثل بثقافة الأهل التي تدرج قضايا الاعتداء الجنسي ضمن مروحة «العيب الاجتماعي». وفقاً لرماني، معظم التبليغات التي تصل إلى جمعية «حماية» يكون مصدرها القصّر أنفسهم وليس الأهل. وإضافة إلى بطء القضاء في البتّ بقضايا الاعتداء الجنسي مع انهيار مؤسسات الدولة والذي ترجم في النقص الحاد في أعداد قضاة التحقيق، حتى صار «لا يتجاوز عددهم السبعة في جبل لبنان، في الوقت الذي تتكاثر فيه الملفات والجرائم (حوالي 400 ملف في السنة لكلّ قاض)»، كما يقول عويدات، والنتيجة تكون تعطيل تحقيق العدالة وتفاقم معاناة الضحايا وأسرهم.