في لبنان كل شيء مباح، ونقف أحياناً عاجزين أمام حفلة الجنون التي نعيشها يومياً، والكل يسأل هل لا نزال نعيش في دولة أم أننا في غابة، البقاء فيها للأقوى؟ كيف نحمي أطفالنا وأي مستقبل سنقدم لهم في ظل غياب كامل لأي خطط تربوية وإجتماعية؟ مجتمع مفتوح على كل الإنتهاكات والتجاوزات من دون أي رادع، مراكز التوقيف والسجون تكتظ بالموقوفين الإحتياطيين بسبب بطء المحاكمات والإضرابات المتتالية لمكوّنات الجسم القضائي وعدم اهتمام السلطة بشكل جدي بإصلاح القضاء. ما يجري ينذر بإنهيار إجتماعي كبير بينما ترتفع نسبة الجرائم الكبرى (قتل – سرقة – مخدرات) وتتزايد ظاهرة إستيفاء الحق بالذات، ولم يصدر قرار قضائي واحد لوضع حد لها. وإن دل ذلك على شيء، فعلى إنهيار الثقة بمؤسسات الدولة وعلى رأسها مؤسسات السلطة القضائية. الجمعيات والهيئات والمنظمات الحقوقية والإنسانية العاملة في لبنان بالمئات، منها مموّل ومنها يعمل باللحم الحي، لكن جميعها تتشارك قاسماً مشتركاً واحداً، وهو أن مشاريعها الرنانة تبقى فقط على الورق. أما المؤسسة التي احتفل لبنان بإنشائها ليخرج عن اللائحة السوداء للدول التي لا تحترم حقوق الإنسان فهي الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان، المتضمنة لجنة الوقاية من التعذيب التي أُقرت على الورق من دون أي موازنة أو اعتمادات، حتى باتت شاهد زور بإسم حقوق الإنسان على كل ما يجري من إنتهاك يومي لهذه الحقوق. فكيف لنا في ظل هذه الفوضى أن نواجه جريمة بحجم جريمة «عصابة التكتوكرز» لاغتصاب الأطفال العابرة للحدود؟


بعد كل جريمة ضخمة يهتز الرأي العام وتبدأ ردود الفعل بين مستنكر ومستغرب ومطالب بإنزال أشد العقوبات، وتبدأ المحاكمة الشعبية والإخلاقية والتربوية قبل أن يصل الملف الى أي قاض، ويلبس الجميع ثوب العفة وتبدأ جولة جديدة من هيستيريا الإنتهاكات القانونية.
تتحرك أجهزة الدولة المعنية وفقاً لكل قضية، ولا ننكر أنه تُسجل لبعض الأجهزة الأمنية مهنية وخبرة عالية في كشف جرائم كبرى وإجراء تحقيقات أولية لا تشوبها شائبة في العديد من القضايا.
السباق بين المعنيين على إختلاف درجاتهم واختصاصاتهم يصبح أمراً مشروعاً لأن كل طرف يعنيه أن يسجل الإنتصار له في قضية تحوّلت إلى قضية رأي عام، فيبدأ التراشق بالإتهامات وتحميل المسؤوليات من الجهة التي تقع عليها مسؤولية ما جرى، ولا يخلو المشهد العام من نكهة عنصرية في حال كان المرتكب يحمل جنسية غير مرحب بها لدى البعض.
صباح 30 نيسان 2024، ضجّت وسائل التواصل الإجتماعي ومواقع الأخبار العاجلة بخبر توقيف «تيكتوكر» شهير (ناشط على تطبيق «تيكتوك» للتواصل الاجتماعي) يعمل حلاقاً رجالياً، ولديه آلاف المتابعين، وسبق أن استضافته إحدى الشاشات بإعتباره أنه نموذجاً فريداً وفناناً يبدع في قصّات الشعر الغريبة، بتهمة استدراج القاصرين واغتصابهم. وبعد ساعات قليلة، بدأت تتوالى أسماء المتورطين، وأن «التيكتوكر» الشهير هو واحد من عصابة كبيرة متعددة الجنسيات وعابرة للقارات يصل تعدادها الى نحو 50 مشتبهاً به، وأن من بين الموقوفين قاصرين يملكون حسابات معروفة على تطبيق «تيكتوك».

تسريب التحقيق جريمة
قبل ان ندخل في مجريات التعاطي مع هذا الملف، من الضروري أن نذكر أن ملحق «القوس» كتب مرات ومرات عن خطورة تسريب التحقيقات الأولية وأن لا شيء يبرر هذا الفعل المخالف للقانون ولأصول التحقيق (راجع «القوس»، العدد رقم 1، "العدالة في قبضة «مصادر متابعة للتحقيق»)، إلا ان لا حياة لمن تنادي. ومن أجل رفع نسبة المشاهدة وحصد الإعجابات لا بأس بخرق أهم مبدأ قانوني يرتكز عليه كل مسار التقاضي ،وهو سرية التحقيقات الأولية الى أن تصبح المحاكمة علانية على قوس المحكمة.
ليس خبراً بسيطاً ولا عابراً كشف عصابة تستدرج الأطفال عبر تطبيق «تيكتوك» الأكثر انتشاراً بين الكبار والصغار، لتنوع مواضيعه وسهولة إستخدامه ولأنه أصبح مصدراً للشهرة والكسب المادي السريع لكثيرين بغض النظر عن المحتوى المقدم.
في أقل من 48 ساعة، بدأ تسريب التحقيقات الأولية، وبدأت بعض الحسابات الخاصة تنشر صوراً للمشتبه بهم مع أسمائهم الكاملة، ومن بينهم ثلاثة قصار. وقرر بعض ناشطي «السوشل ميديا» إصدار الأحكام بحقهم، وبدأنا نسمع دعوات لانزال عقوبة الإعدام بكل الموقوفين. كما أن بعض الحسابات استغلت بشاعة الجريمة ومتابعة الآلاف لمجريات أحداثها حيث باتت مادة يومية لمعظم رواد السوشل ميديا لنقل آخر مستجدات التحقيق (الذي منع المحامون من حضوره خلافاً للقانون) أو لنشر صور وأسماء للموقوفين والمشتبه بهم، كما ذهب البعض الى أسلوب التهكم والسخرية من خلال تصوير فيديوهات تمثيلية داخل صالونات الحلاقة مستخدمين أطفالا للتصوير، كانت نتيجتها تدخل قاضي الأحداث في بعبدا القاضية جويل أبي حيدر التي أصدرت قراراً بوقف حساباتهم، من دون أن يتضمن القرار أي إشارة إلى مسؤولية أهل هؤلاء الأطفال.



القانون والرعاية الأبوية
تنظم القوانين كافة نواحي حياتنا، ونلجأ إليها لضبط حركة المجتمع، وعلى كل المعنيين بتطبيقها أن يضعوا نُصب أعينهم المصلحة العامة للمجتمع لكي نحقق النتيجة المرجوة من التشريع، وهي تحصين المجتمع وتمتين بنيته الإجتماعية والإقتصادية والثقافية والتربوية ومواكبة التطور من خلال تطوير التشريعات وتحديثها.
نص قانون العقوبات في المادة 501 منه على عقوبة الحبس مع التشغيل لمدة ثلاثة أشهر وبالغرامة على كل أم وأب يتركان ولدهما الشرعي أو غير الشرعي أو المتبنى من دون إعالة أو أهملا تأمين الوسائل التي تمكنه من الحصول عليها، أي أن يتركاه من دون تعليم أو من دون إمكانات تجعله غير قادر على تأمين العيش بسبب والديه.
يتسابق بعض الصحافيين لنشر التحقيقات بحجة أنهم صحافة إستقصائية فيأخذون دور الضابطة العدلية وقضاة التحقيق


وجاء قانون حماية الاحداث رقم 422 الصادر عام 2002 لينظم كل ما له علاقة بالأحداث وكيفية حمايتهم ورعايتهم وإعادة تأهيلهم. ونصت المادة الأولى منه على أن هذا المرسوم يطبق على كل حدث أتم السابعة من عمره ولم يتجاوز الثامنة عشرة إذا ارتكب جرماً يعاقب عليه القانون أو وجد متشرداً أو متسولاً أو معرضاً للإنحراف أو مهدداً في صحته أو سلامته أو أخلاقه أو تربيته. وفرض القانون تدابير مانعة وغير مانعة للحرية وتدابير احترازية:
اللوم (توبيخ بوجهه القاضي إلى الحدث ويلفته فيه الى العمل المخالف الذي ارتكبه ويتم ذلك شفوياً وبموجب قرار مثبت لهذا اللوم، مادة 7)
الوضع قيد الاختبار (وفقاً لشروط يحددها القاضي، ويقضي بتعليق اتخاذ اي تدبير آخر بحق الحدث طيلة فترة زمنية تتراوح بين ثلاثة أشهر وسنة يخضع خلالها لمراقبة من قبل المندوب الاجتماعي، مادة 8)
تدبير الحماية (تسليم الحدث الى والديه او أحدهما او الى وصيه الشرعي او الى اسرته شرط ان تتوافر في المسلّم اليه الضمانة الاخلاقية والمقدرة على تربيته تحت اشراف المندوب الاجتماعي، مادة 9)
الحرية المراقبة (وضع الحدث تحت مراقبة المندوب الاجتماعي او المرجع المعيّن لهذه الغاية تحت اشراف القاضي، مادة 10)
التدبير الاصلاحي (وضع الحدث في معهد الإصلاح، مادة 13)
عقوبات مخفضة (مادة 15)
وترك القانون العقوبات المخفضة كآخر تدبير وركز في كل مواده على الرعاية الإجتماعية وأهمية إعادة التأهيل.

كيف تطبق النصوص على أرض الواقع؟
من خلال ما جرى مؤخراً في قضية «التيكتوكرز»، يمكن أن نعتبر هذه القضية نموذجاً لدراسة حالة تحمل في فصولها جملة من الانتهاكات والمخالفات القانونية موزعة على كل أطرافها، سواء من جهة طرفي القضية، مدّعين ومشتبه بهم، أو لناحية كيفية تعاطي الأجهزة الأمنية والسلطة القضائية، إضافة الى تعاطي المحامين والمجتمع، الطرف الأساسي في هكذا جرائم والمتابع لكل تفاصيل هذا الملف، وبعض وسائل الإعلام التي تلعب كل الأدوار على شاشاتها إلا دورها الإعلامي وفقاً لما ينص عليه قانون تنظيم المهنة، وطبعاً من دون أي محاسبة أو مساءلة للدور السلبي الذي تتحمله العديد من الشاشات والأقلام في تسطيح وتسخيف الوعي الجماعي من خلال المشاركة في نشر ثقافة التفاهة. (راجع «القوس»، العدد 13، «السبق الإعلامي أولاً»).
في لبنان بات شائعاً تسريب التحقيقات الأولية، وتفشّت هذه الظاهرة بشكل واسع مع بدء الأزمة السورية وسلسلة الإغتيالات والتفجيرات التي حصلت في لبنان، وتم استغلالها في البازارات السياسية بهدف تحقيق مكاسب سياسية لفريق على آخر. وكمعظم القضايا، على اختلاف أنواعها، تتحول أي قضية الى قضية رأي عام إذا قرر أي طرف معني بها ذلك، والأسباب أيضاً متعددة، منها ما هو مشروع ويدخل ضمن آليات التقاضي الإستراتيجي، ومنها غير مشروع ولأسباب شخصية بهدف الضغط والإبتزاز.

«حفلة الزجل» القائمة على شاشات التلفزيون على خلفية قضية «التيكتوكرز» تستدعي إعلان حالة طوارئ قانونية وتشريعية


وتبدأ تسريبات التحقيقات الأولية ونشر صور المشتبه بهم والأسماء الكاملة للموقوفين أو المتهمين من دون أي مراعاة للخصوصية أو السرية. وباتت ظاهرة تسابق بعض الصحافيين لنشر التحقيقات بحجة أنهم صحافة إستقصائية، فيأخذون دور الضابطة العدلية وقضاة التحقيق ويبدأون بنشر تحقيقات ومعلومات ما زالت سرية، ولم تصل الى أروقة المحاكم لتصبح علنية. وهذا الأسلوب بالدرجة الأولى يشكل جريمة يعاقب عليها القانون، وقد جاء في المادة ٤٨ من قانون حماية الاحداث: "يحظر نشر صورة الحدث ونشر وقائع المحاكمة او ملخصها في الكتب والصحف والسينما وبأي طريق كانت .ويمكن نشر الحكم على ان لا يذكر من اسم المدعى عليه وكنيته ولقبه الا الحرف الأول. كل مخالفة لاحكام هذه المادة يستهدف مرتكبوها للعقوبة المنصوص عليها في المادة 420 من قانون العقوبات " (المادة 420 تعرض المخالف لعقوبة السجن من ثلاثة اشهر الى سنة وللغرامة من مليون الى خمسة ملايين ليرة أو لإحدى هاتين العقوبتين)
لم يراع الحد الأدنى من أصول المحاكمات في قضية «التيكتوكرز». ومنذ فضح هذه الجريمة أمام الرأي العام، لم تتوقف المخالفات القانونية من لحظة توقيف بعض المشتبه بهم وتسريب الأسماء كاملة رغم وجود قاصرين بينهم، الى قرار النائب العام الإستئنافي في جبل لبنان القاضية غادة عون بمنع المحامين من حضور التحقيقات الأولية خلافاً لنص المادة 47 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، إلى تعاطي الإعلام المتابع لهذا الملف بأسلوب لا مهني يستدعي تدخل القضاء لمنع التداول بأي ملف لا يزال قيد النظر.
ليس من المفترض تحويل كل قضية إلى قضية رأي عام، لأن ذلك يتطلب الإلتزام بقواعد وأصول التقاضي الإستراتيجي. ففي العديد من القضايا، قد يكون الرأي العام سيفاً ذا حدين، فإما يدفع باتجاه الإسراع في كشف الحقائق والوصول إلى الجاني ومعاقبته كقضية اغتصاب ومقتل الطفلة لين طالب، أو يؤدي إلى ضياع العديد من الأدلة وتشويه سمعة أشخاص قد يتبين بعد التحقيقات براءتهم خصوصاً في حال وجود قاصرين، كما يجري في قضية «التيكتوكرز» اليوم، حيث تم نشر صورهم وأسمائهم منذ اليوم الأول من دون أدنى اعتبار لسمعة هؤلاء الضحايا وحقهم بالحماية الاجتماعية وإعادة التأهيل.

تلفزيون الواقع وأبطال الشاشات
هذا الملف الذي بات حديث البلد يتم التعاطي معه وفقاً لآليات تلفزيون الواقع، ويبدأ السباق لنشر معلومات سرية عن التحقيق، ويبدأ كل نشر بجملة «مصادر موثوقة» أو «من مصادرنا الخاصة»، فمن هي تلك الجهات التي تسرّب التحقيقات للإعلام ما دام التحقيق الأولي لا يطّلع عليه سوى المحقق والنائب العام ووكيل المتهم؟

المادة 47 ليست اختيارية
في ملف «التيكتوكرز»، منعت القاضية عون حضور المحامين في التحقيقات الأولية مخالفة بذلك نص المادة 47 من قانون أصول المحاكمات الجزائية. ونشر موقع «محكمة» بياناً صادراً عن القاضية عون تبرر فيه قرارها معتبرة «أن النص لا يمكن أن يكون مجتزأ، فيتم تطبيق جزء منه ويهمل الآخر، مع أن النص المذكور سمح بوجود محام عن المشتبه به في أثناء التحقيق الاولي، الا أنه أوجب أيضا أن يتم تسجيل هذا التحقيق بالصوت والصورة، وهذا أمر ضروري لكي تطلع النيابة العامة على كل مجريات التحقيق. فكيف يمكن بالتالي السماح لأحد الخصوم في الدعوى المشتبه به فيها أن يحضر مع وكيله من دون تمكين النيابة العامة وهي الخصم في دعوى الحق العام من الحضور أو أقله من الاطلاع على مجريات التحقيق في ظل عدم تصوير الاستجواب؟».
أصابت القاضية عون لجهة أنه «لا يمكن أن يكون النص مجتزأ». إلا أن عدم الإجتزاء قد يُفسر لمصلحة المتهم وفقاً لقواعد العدل والإنصاف، لأن المتهم بريء إلى أن تثبت إدانته مهما كان حجم الجرم المرتكب، والنيابة العامة محدّد دورها في القانون لجهة توليها مهام ممارسة دعوى الحق العام التي لا يجوز التنازل عنها. وللقيام بمهامها أعطاها القانون صلاحيات واسعة لجهة التحقيق والتقصي وتحريك دعوى الحق العام، كما حدد الجهات التي تعاون النيابة العامة في أعمالها وهي الضابطة العدلية التي تعمل وفقاً لإشارات النيابة العامة، ونصت المادة 47 من قانون أصول المحاكمات الجزائية على أن «يتولى الضباط العدليون بوصفهم مساعدي النيابة العامة المهام التي تكلفهم النيابة العامة فيها في إستقصاء الجرائم غير المشهودة». والمشتبه فيه أو المشكو منه فور إحتجازه لضرورات التحقيق يتمتع بالحقوق الآتية: الاتصال بأهله وحضور محام وطلب طبيب شرعي. أما تعديل المادة لجهة تسجيل التحقيق بالصوت والصورة، فهي حق من حقوق المشتبه به لعدم تعرضه للضرب أو التعذيب لانتزاع الاعترافات بالقوة، وعدم تطبيق هذه الجزئية لأسباب تعلمها النيابة العامة بشكل دقيق هي لمصلحة المشتبه به لأن ذلك يؤدي إلى ضياع حق أساسي من حقوقه، والنيابة العامة في حال اعتبرت أن الضابطة العدلية التي تعمل وفقاً لإشاراتها لا تمثلها ولا تثق بها وأنها طرف ثالث في الدعوى، فهذا أمر بغاية الخطورة ويؤدي إلى إبطال كافة التحقيقات الأولية.
اعتبار القاضية عون أن هذا التشدد يهدف إلى حماية أمن المجتمع باعتبار أن وجود المحامي خلال التحقيق الأولي يضيّع التحقيق أو يطمس الحقائق، فكيف بالإمكان أن تضع النيابة العامة حداً لما يجري على الشاشات ووسائل التواصل من انتهاكات قانونية أطاحت بكل معايير الأمن والسلامة المجتمعية نتيجة انهيار الثقة الكاملة بمؤسسات الدولة وصمام الأمان المتمثل بالقضاء والأجهزة الأمنية؟
كما أن سؤال القاضية عون في بيانها عن مدى تطبيق الشرطة العسكرية لنص المادة 47 خلال التحقيقات الأولية ليس مستغرباً، لأن النائب العام الإستئنافي لا تعلم ما هي مجريات التحقيق لدى الشرطة العسكرية، وأنها تلتزم وبشكل كامل بمضمون نص المادة 47 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، والسبب قد يعود للفوضى الأمنية والقضائية والتشريعية التي نعيشها وغياب أي تنسيق بين كافة الأجهزة بهذا الخصوص.
اتباع نهج الدول الأكثر تطوراً في تأمين الضمانات للمشتبه به وإعطاء فرنسا والولايات المتحدة نموذجاً حيث في بعض الجرائم التي تتسم بالخطورة لا يُلتزم بوجود المحامي، هو مثال ناقص أيضاً ومجتزأ ولا يمكن الركون إليه، لأن المسار القضائي في كل دولة هو نتاج لنظام سياسي قانوني متكامل، ولا يمكن أن نقارن على صعيد الإجراءات ودور النيابات العامة في أي دولة (راجع «القوس»، العدد 60، «المتّهم مدان حتى تثبت براءته؟»). ومنع المحامي من حضور التحقيق الأولي مع المشتبه به هو مخالفة قانونية فاضحة قد تؤدي في دولة مثل فرنسا أو الولايات المتحدة الى الملاحقة، فكيف في حالة وجود مشتبه به قاصر؟
لا شك في ان «حفلة الزجل» القائمة على شاشات التلفزيون على خلفية قضية «التيكتوكرز» تستدعي إعلان حالة طوارئ قانونية وتشريعية في أسرع وقت ممكن، لأن النظام القضائي والأمني برمته مهدد بالإنهيار الكامل بسبب الخفّة في التعاطي مع أزماتنا الكبرى.