ان تصنيف جبهة المواجهة مع العدو الإسرائيلي كجبهة اسناد لغزّة من لبنان يمكن اعتباره جواباً ظرفياً على أسئلة مبدئية بشأن القضية المركزية. وكان الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله قد وجّه رسالة إلى المؤسسات الإعلامية في الحزب في أواخر تشرين الأول من العام الفائت، طلب من خلالها اعتماد تسمية "شهداء على طريق القدس" للذين يستشهدون في لبنان وعلى الحدود مع فلسطين المحتلة في هذه الحرب.قد يكون تعبير البعض عن امتعاضهم من جبهة اسناد غزّة الظرفية في جنوب لبنان ظرفياً كذلك وفي هذه الحالة ان توسيع النقاش مفيد خصوصاً النقاش السياسي الداخلي اللبناني المعقّد. أما اذا كان الموقف من جبهة الاسناد الظرفية مبدئي فلا بد من التوضيح أن حزب الله لا يمكن ان يترك الشعب الفلسطيني المحاصر في غزّة وحده لأن ذلك يتناقض مع مبادئه. فكيف يمكن للحزب ان يتنازل عن شعار "يا قدس اننا قادمون" الذي عرّفنا في بيروت عنه في بداية الثمانينات؟ وهل أن همّ الحزب وتوجهاته الأساسية يمكن ان تتحوّل من تحرير فلسطين والصلاة في أولى القبلتين الى تأمين مصالح داخلية ضيقة ومكاسب محدودة؟ صحيح ان قيادة الحزب تسعى بجدية للتوافق مع كل الجهات في لبنان لكنها لن تتنازل عن مبادئ الحزب ولن تبدّل مركزية القضية.
ان جبهة اسناد غزّة من لبنان تشكل تحرّكاً مفصلياً في الحروب العربية الإسرائيلية وهجوماً دفاعياً غير مسبوق يعيدنا بالذاكرة الى آلاف الاعتداءات الصهيونية على اللبنانيين في بلداتهم وقراهم وصولاً الى العاصمة بيروت. فجيش العدو الإسرائيلي اجتاح لبنان واحتل العاصمة وارتكب المجازر بحق عشرات آلاف البشر ولم يحاسَب ولم يحاكَم المسؤولين فيه على جرائم القتل والتعذيب والاحتلال والتهجير التي ارتكبوها. فهل توقفت الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان منذ صدور القرار 1701؟ وهل يعفى المجرم على ما اقترفه من جرائم بحق بعض الدول العربية بسبب قرار دول عربية أخرى التطبيع مع المجرم؟ هل عفى الله عمّا مضى بينما افلت المجرم من العقاب؟
أسئلة مبدئية اجابت عليها المقاومة بفتح جبهة في الجنوب لإسناد غزة.
اسناد غزّة تحرّك أخلاقي وإنساني مبني على منطلق ديني يفترض ان يجمع بين المسيحيين والمسلمين. ففلسطين هي الأرض المقدّسة حيث ولد السيد المسيح وحيث صُلب كما يُصلب اليوم شعب فلسطين في جلجلة غزّة الأليمة؛ وهي مكان أولى القبلتين حيث سجد الرسول الاكرم وحيث مسرى الاسراء والمعراج. فهل يتركها المسيحيون قبل المسلمين وحيدة دون اسناد؟ هل ينكرون روابطهم الروحية بأحفاد المسيح ثلاث مرّات كما يعلّمنا الانجيل المقدّس؟ وهل يمكن لمن يستذكر موقعة كربلاء في كل مناسبة ان يترك ابناء غزّة هاشم يذبحون دون مساندة؟
ان جبهة اسناد غزة من لبنان مشروطة بوقف العدو الإسرائيلي الإبادة الجماعية وبالتالي يعد فتح هذه الجبهة وجه من وجوه التزام لبنان بمبدأ منع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها. ولطالما أعلنت قيادات الجبهات المساندة لغزة في اليمن وفي لبنان استعدادها لوقف كل الاعمال الحربية لحظة رضوخ الكيان الإسرائيلي لوقف اطلاق النار.
اما بشأن وحدة الساحات فقد اثبتت الأشهر الخمسة الأخيرة انها تجربة ناجحة في توحيد القوى المساندة للشعب العربي الفلسطيني الذي يتعرض للإبادة الجماعية في غزة. ولا بد من الإشارة هنا الى كل المساعي التي بذلت منذ ما قبل 1948 لتوحيد الساحات في مواجهة الغزو الصهيوني الذي لم يقتصر على ارض فلسطين بل شمل سوريا والأردن ويعبر بعض الصهاينة بوضوح عن نواياهم التوسعية ويتحدثون عن إسرائيل من النيل الى الفرات.
صحيح ان الاتكال الأساسي يقع على المقاومة الفلسطينية الباسلة وشبابها الذين يخرجون من بطن الأرض ليصنعوا الاساطير في تصميم أصحاب الأرض والحق على مكافحة الظلم والاحتلال والابادة، لكن جبهات الاسناد تشكل ضغطاً لا يمكن تجاهله دولياً وتقول للفلسطينيين انهم ليسوا وحدهم وتقول للبنانيين ان جبهات الاسناد ستفتح اذا قرّر الإسرائيلي توسيع هجومه على لبنان.